الباحث القرآني

أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ ﴿ويَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ . فالمَعْنى فَأمّا مَن أُعْطِيَ كِتابَ أعْمالِهِ بِيَمِينِهِ: ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ وسَوْفَ مِنَ اللَّهِ واجِبٌ وهو كَقَوْلِ القائِلِ: اتَّبِعْنِي فَسَوْفَ نَجِدُ خَيْرًا، فَإنَّهُ لا يُرِيدُ بِهِ الشَّكَّ، وإنَّما يُرِيدُ تَرْقِيقَ الكَلامِ. والحِسابُ اليَسِيرُ هو أنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ أعْمالُهُ، ويَعْرِفَ أنَّ الطّاعَةَ مِنها هَذِهِ، والمَعْصِيَةَ هَذِهِ، ثُمَّ يُثابُ عَلى الطّاعَةِ ويُتَجاوَزُ عَنِ المَعْصِيَةِ فَهَذا هو الحِسابُ اليَسِيرُ لِأنَّهُ لا شِدَّةَ عَلى صاحِبِهِ ولا مُناقَشَةَ، ولا يُقالُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذا ولا يُطالَبُ بِالعُذْرِ فِيهِ ولا بِالحُجَّةِ عَلَيْهِ. فَإنَّهُ مَتى طُولِبَ بِذَلِكَ لَمْ يَجِدْ عُذْرًا ولا حُجَّةً فَيُفْتَضَحُ، ثُمَّ إنَّهُ عِنْدَ هَذا الحِسابِ اليَسِيرِ يَرْجِعُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا فائِزًا بِالثَّوابِ آمِنًا مِنَ العَذابِ، والمُرادُ مِن أهْلِهِ أهْلُ الجَنَّةِ مِنَ الحُورِ العِينِ أوْ مِن زَوْجاتِهِ وذُرِّيّاتِهِ إذا كانُوا مُؤْمِنِينَ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ أعَدَّ لَهُ ولِأهْلِهِ في الجَنَّةِ (p-٩٧)ما يَلِيقُ بِهِ مِنَ الثَّوابِ، «عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: ”سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ حاسِبْنِي حِسابًا يَسِيرًا، قُلْتُ وما الحِسابُ اليَسِيرُ ؟ قالَ: يَنْظُرُ في كِتابِهِ ويُتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِ، فَأمّا مَن نُوقِشَ في الحِسابِ فَقَدْ هَلَكَ“» «وعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ”قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن نُوقِشَ الحِسابَ فَقَدْ هَلَكَ“ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ قالَ: ”ذَلِكَ العَرْضُ، ولَكِنَّ مَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ» “ وفي قَوْلِهِ: ”يُحاسَبُ“ إشْكالٌ لِأنَّ المُحاسَبَةَ تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ولَيْسَ في القِيامَةِ لِأحَدٍ قِبَلَ رَبِّهِ مُطالَبَةٌ فَيُحاسِبَهُ. وجَوابُهُ: أنَّ العَبْدَ يَقُولُ: إلَهِي فَعَلْتُ المَعْصِيَةَ الفُلانِيَّةَ، فَكَأنَّ ذَلِكَ بَيْنَ الرَّبِّ والعَبْدِ مُحاسِبَةٌ والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ تَعالى خَصَّ الكُفّارَ بِأنَّهُ لا يُكَلِّمُهم، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ يُكَلِّمُ المُطِيعِينَ والعَبْدُ يُكَلِّمُهُ فَكانَتِ المُكالَمَةُ مُحاسَبَةً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب