الباحث القرآني

ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ هَذا الفِرارَ أتْبَعَهُ بِذِكْرِ سَبَبِهِ فَقالَ تَعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ وفي قَوْلِهِ: ﴿يُغْنِيهِ﴾ وجْهانِ: الأوَّلُ: قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُغْنِيهِ أيْ يَصْرِفُهُ ويَصُدُّهُ عَنْ قَرابَتِهِ وأنْشَدَ: ؎سَيُغْنِيكَ حَرْبُ بَنِي مالِكٍ عَنِ الفُحْشِ والجَهْلِ في المَحْفِلِ أيْ سَيَشْغَلُكَ، ويُقالُ: أغْنِ عَنِّي وجْهَكَ أيِ اصْرِفْهُ. الثّانِي: قالَ أهْلُ المَعانِي: يُغْنِيهِ أيْ ذَلِكَ الهَمُّ الَّذِي بِسَبَبِ خاصَّةِ نَفْسِهِ قَدْ مَلَأ صَدْرَهُ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِهَمٍّ آخَرَ، فَصارَ شَبِيهًا بِالغَنِيِّ في أنَّهُ حَصَلَ عِنْدَهُ مِن ذَلِكَ المَمْلُوكِ شَيْءٌ كَثِيرٌ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ حالَ يَوْمِ القِيامَةِ في الهَوْلِ، بَيَّنَ أنَّ المُكَلَّفِينَ فِيهِ عَلى قِسْمَيْنِ مِنهُمُ السُّعَداءُ، ومِنهُمُ الأشْقِياءُ فَوَصَفَ السُّعَداءَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ ﴿ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ مُسْفِرَةٌ مُضِيئَةٌ مُتَهَلِّلَةٌ، مِن أسْفَرَ الصُّبْحُ إذا أضاءَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: مِن قِيامِ اللَّيْلِ لِما رُوِيَ: «مَن كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ، حَسُنَ وجْهُهُ بِالنَّهارِ»، وعَنِ الضَّحّاكِ: مِن آثارِ الوُضُوءِ، وقِيلَ مِن طُولِ ما اغْبَرَّتْ في سَبِيلِ اللَّهِ، وعِنْدِي أنَّهُ بِسَبَبِ الخَلاصِ مِن عَلائِقِ الدُّنْيا والِاتِّصالِ بِعالَمِ القُدْسِ ومَنازِلِ الرِّضْوانِ والرَّحْمَةِ، ضاحِكَةٌ: قالَ الكَلْبِيُّ: يَعْنِي بِالفَراغِ مِنَ الحِسابِ مُسْتَبْشِرَةٌ فَرِحَةٌ بِما نالَتْ مِن كَرامَةِ اللَّهِ ورِضاهُ، واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ مُسْفِرَةٌ إشارَةٌ إلى الخَلاصِ عَنْ هَذا العالَمِ وتَبِعاتِهِ، وأمّا الضّاحِكَةُ والمُسْتَبْشِرَةُ، فَهُما مَحْمُولَتانِ عَلى القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ، أوْ عَلى وِجْدانِ المَنفَعَةِ ووِجْدانِ التَّعْظِيمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب