الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى﴾ ﴿أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾ فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أيُّ شَيْءٍ يَجْعَلُكَ دارِيًا بِحالِ هَذا الأعْمى لَعَلَّهُ يَتَطَهَّرُ بِما يَتَلَقَّنُ مِنكَ، مِنَ الجَهْلِ أوِ الإثْمِ، أوْ يَتَّعِظُ فَتَنْفَعَهُ ذِكْراكَ أيْ مَوْعِظَتُكَ، فَتَكُونَ لَهُ لُطْفًا في بَعْضِ الطّاعاتِ، وبِالجُمْلَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ العِلْمَ الَّذِي يَتَلَقَّفُهُ عَنْكَ يُطَهِّرُهُ عَنْ بَعْضِ ما لا يَنْبَغِي، وهو الجَهْلُ والمَعْصِيَةُ، أوْ يَشْغَلُهُ بِبَعْضِ ما يَنْبَغِي وهو الطّاعَةُ. الثّانِي: أنَّ الضَّمِيرَ في لَعَلَّهُ لِلْكافِرِ، بِمَعْنى أنْتَ طَمِعْتَ في أنْ يَزَّكّى الكافِرُ بِالإسْلامِ أوْ يَذَّكَّرَ فَتُقَرِّبَهُ الذِّكْرى إلى قَبُولِ الحَقِّ ﴿وما يُدْرِيكَ﴾ أنَّ ما طَمِعْتَ فِيهِ كائِنٌ، وقُرِئَ ”فَتَنْفَعُهُ“ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى ”يَذَّكَّرُ“، وبِالنَّصْبِ جَوابًا لِلَعَلَّ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَأطَّلِعَ إلى إلَهِ مُوسى﴾ [غافِرٍ: ٣٧] وقَدْ مَرَّ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿أمّا مَنِ اسْتَغْنى﴾ قالَ عَطاءٌ: يُرِيدُ عَنِ الإيمانِ، وقالَ الكَلْبِيُّ: اسْتَغْنى عَنِ اللَّهِ، وقالَ بَعْضُهم: اسْتَغْنى أثْرى؛ وهو فاسِدٌ هاهُنا، لِأنَّ إقْبالَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَكُنْ لِثَرْوَتِهِمْ ومالِهِمْ حَتّى يُقالَ لَهُ أمّا مَن أثْرى، فَأنْتَ تُقْبِلُ عَلَيْهِ، ولِأنَّهُ قالَ: ﴿وأمّا مَن جاءَكَ يَسْعى﴾ ﴿وهُوَ يَخْشى﴾ ولَمْ يَقُلْ وهو فَقِيرٌ عَدِمٌ، ومَن قالَ: أمّا مَنِ اسْتَغْنى بِمالِهِ فَهو صَحِيحٌ، لِأنَّ المَعْنى أنَّهُ اسْتَغْنى عَنِ الإيمانِ والقُرْآنِ بِما لَهُ مِنَ المالِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنْتَ لَهُ تَصَدّى﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ أنْتَ تُقْبِلُ عَلَيْهِ وتَتَعَرَّضُ لَهُ وتَمِيلُ إلَيْهِ، يُقالُ تَصَدّى فُلانٌ لِفُلانٍ، يَتَصَدّى إذا تَعَرَّضَ لَهُ، والأصْلُ فِيهِ تَصَدَّدَ يَتَصَدّى مِنَ الصَّدَدِ، وهو ما اسْتَقْبَلَكَ وصارَ قُبالَتَكَ، وقَدْ ذَكَرْنا مِثْلَ هَذا في قَوْلِهِ: ﴿إلّا مُكاءً وتَصْدِيَةً﴾ [الأنْفالِ: ٣٥] وقُرِئَ (تَصَّدّى) بِالتَّشْدِيدِ بِإدْغامِ التّاءِ في الصّادِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: تُصْدِي، بِضَمِّ التّاءِ، أيْ تُعْرِضُ، ومَعْناهُ يَدْعُوكَ داعٍ إلى التَّصَدِّي لَهُ مِنَ الحِرْصِ، والتَّهالُكِ عَلى إسْلامِهِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما عَلَيْكَ ألّا يَزَّكّى﴾ المَعْنى لا شَيْءَ عَلَيْكَ في أنْ لا يُسْلِمَ مَن تَدْعُوهُ إلى الإسْلامِ، فَإنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ، أيْ لا يَبْلُغَنَّ بِكَ الحِرْصُ عَلى إسْلامِهِمْ إلى أنْ تُعْرِضَ عَمَّنْ أسْلَمَ لِلِاشْتِغالِ بِدَعْوَتِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب