الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَلّا لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ (كَلّا) رَدْعٌ لِلْإنْسانِ عَنْ تَكَبُّرِهِ وتَرَفُّعِهِ، أوْ عَنْ كُفْرِهِ وإصْرارِهِ عَلى إنْكارِ التَّوْحِيدِ، وعَلى إنْكارِهِ البَعْثَ والحَشْرَ والنَّشْرَ، وفي قَوْلِهِ: ﴿لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ﴾ وُجُوهٌ:
أحَدُها: قالَ مُجاهِدٌ: لا يَقْضِي أحَدٌ جَمِيعَ ما كانَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِ أبَدًا، وهو إشارَةٌ إلى أنَّ الإنْسانَ لا يَنْفَكُّ عَنْ تَقْصِيرٍ البَتَّةَ، وهَذا التَّفْسِيرُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَمّا يَقْضِ﴾ الضَّمِيرُ فِيهِ عائِدٌ إلى المَذْكُورِ السّابِقِ، وهو الإنْسانُ في قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ﴾ ولَيْسَ المُرادُ مِنَ الإنْسانِ هاهُنا جَمِيعَ النّاسِ بَلِ الإنْسانُ الكافِرُ، فَقَوْلُهُ: ﴿لَمّا يَقْضِ﴾ كَيْفَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى جَمِيعِ النّاسِ؟ .
وثانِيها: أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّ الإنْسانَ المُتَرَفِّعَ المُتَكَبِّرَ لَمْ يَقْضِ ما أُمِرَ بِهِ مِن تَرْكِ التَّكَبُّرِ، إذِ المَعْنى أنَّ ذَلِكَ الإنْسانَ الكافِرَ لَمْ يَقْضِ ما أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّأمُّلِ في دَلائِلِ اللَّهِ، والتَّدَبُّرِ في عَجائِبِ خَلْقِهِ وبَيِّناتِ حِكْمَتِهِ.
وثالِثُها: قالَ الأُسْتاذُ أبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ: كَلّا لَمْ يَقْضِ اللَّهُ لِهَذا الكافِرِ ما أمَرَهُ مِنَ الإيمانِ وتَرْكِ التَّكَبُّرِ، بَلْ أمَرَهُ بِما لَمْ يَقْضِ لَهُ بِهِ.
واعْلَمْ أنَّ عادَةَ اللَّهِ تَعالى جارِيَةٌ في القُرْآنِ بِأنَّهُ كُلَّما ذَكَرَ الدَّلائِلَ المَوْجُودَةَ في الأنْفُسِ، فَإنَّهُ يَذْكُرُ عَقِيبَها الدَّلائِلَ المَوْجُودَةَ في الآفاقِ فَجَرى هاهُنا عَلى تِلْكَ العادَةِ وذَكَرَ دَلائِلَ الآفاقِ وبَدَأ بِما يَحْتاجُ الإنْسانُ إلَيْهِ.
فَقالَ: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ﴾ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ كَيْفَ دَبَّرْنا أمْرَهُ، ولا شَكَّ أنَّهُ مَوْضِعُ الِاعْتِبارِ، (p-٥٧)فَإنَّ الطَّعامَ الَّذِي يَتَناوَلُهُ الإنْسانُ لَهُ حالَتانِ: إحْداهُما: مُتَقَدِّمَةٌ وهي الأُمُورُ الَّتِي لا بُدَّ مِن وُجُودِها حَتّى يَدْخُلَ ذَلِكَ الطَّعامُ في الوُجُودِ. والثّانِيَةُ: مُتَأخِّرَةٌ، وهي الأُمُورُ الَّتِي لا بُدَّ مِنها في بَدَنِ الإنْسانِ حَتّى يَحْصُلَ لَهُ الِانْتِفاعُ بِذَلِكَ الطَّعامِ المَأْكُولِ، ولَمّا كانَ النَّوْعُ الأوَّلُ أظْهَرَ لِلْحُسْنِ وأبْعَدَ عَنِ الشُّبْهَةِ، لا جَرَمَ اكْتَفى اللَّهُ تَعالى بِذِكْرِهِ، لِأنَّ دَلائِلَ القُرْآنِ لا بُدَّ وأنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِها كُلُّ الخَلْقِ، فَلا بُدَّ وأنْ تَكُونَ أبْعَدَ عَنِ اللَّبْسِ والشُّبْهَةِ، وهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ﴾ واعْلَمْ أنَّ النَّبْتَ إنَّما يَحْصُلُ مِنَ القَطْرِ النّازِلِ مِنَ السَّماءِ الواقِعِ في الأرْضِ، فالسَّماءُ كالذَّكَرِ، والأرْضُ كالأُنْثى فَذُكِرَ في بَيانِ نُزُولِ القَطْرِ.
قَوْلُهُ: ﴿أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبًّا﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: (صَبَبْنا) المُرادُ مِنهُ الغَيْثُ، ثُمَّ انْظُرْ في أنَّهُ كَيْفَ حَدَثَ الغَيْثُ المُشْتَمِلُ عَلى هَذِهِ المِياهِ العَظِيمَةِ، وكَيْفَ بَقِيَ مُعَلَّقًا في جَوِّ السَّماءِ مَعَ غايَةِ ثِقَلِهِ، وتَأمَّلْ في أسْبابِهِ القَرِيبَةِ والبَعِيدَةِ، حَتّى يَلُوحَ لَكَ شَيْءٌ مِن آثارِ نُورِ اللَّهِ وعَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ، وفي تَدْبِيرِ خِلْقَةِ هَذا العالَمِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قُرِئَ إنّا بِالكَسْرِ، وهو عَلى الِاسْتِئْنافِ، وأنّا بِالفَتْحِ عَلى البَدَلِ مِنَ الطَّعامِ والتَّقْدِيرُ: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ﴾ إلى أنّا كَيْفَ ﴿صَبَبْنا الماءَ﴾ قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: مَن قَرَأ بِكَسْرِ إنّا كانَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلنَّظَرِ إلى طَعامِهِ، كَما أنَّ قَوْلَهُ (لَهم مَغْفِرَةٌ) [النُّورِ: ٢٦] تَفْسِيرٌ لِلْوَعْدِ، ومَن فَتَحَ فَعَلى مَعْنى البَدَلِ بَدَلِ الِاشْتِمالِ، لِأنَّ هَذِهِ الأشْياءَ تَشْتَمِلُ عَلى كَوْنِ الطَّعامِ وحُدُوثِهِ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ﴾ [البَقَرَةِ: ٢١٧] وقَوْلُهُ: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ ﴿النّارِ﴾ [البُرُوجِ: ٤،٥] .
{"ayahs_start":24,"ayahs":["فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦۤ","أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَاۤءَ صَبࣰّا"],"ayah":"فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق