الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ: ﴿وأمّا مَن جاءَكَ يَسْعى﴾ أنْ يُسْرِعَ في طَلَبِ الخَيْرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجُمُعَةِ: ٩] . وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ يَخْشى﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: يَخْشى اللَّهَ ويَخافُهُ في أنْ لا يَهْتَمَّ بِأداءِ تَكالِيفِهِ، أوْ يَخْشى (p-٥٣)الكُفّارَ وأذاهم في إتْيانِكَ، أوْ يَخْشى الكَبْوَةَ فَإنَّهُ كانَ أعْمى، وما كانَ لَهُ قائِدٌ. [ ثُمَّ قالَ ]: ﴿فَأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى﴾ أيْ تَتَشاغَلُ مِن لَهي عَنِ الشَّيْءِ والتَهى وتَلَهّى، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: تَتَلَهّى، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: (تُلْهى) أيْ يُلْهِيكَ شَأْنُ الصَّنادِيدِ، فَإنْ قِيلَ قَوْلُهُ: ﴿فَأنْتَ لَهُ تَصَدّى﴾ . . . ﴿فَأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى﴾ كانَ فِيهِ اخْتِصاصًا، قُلْنا نَعَمْ، ومَعْناهُ إنْكارُ التَّصَدِّي والتَّلَهِّي عَنْهُ، أيْ مِثْلُكَ خُصُوصًا لا يَنْبَغِي أنْ يَتَصَدّى لِلْغَنِيِّ، ويَتَلَهّى عَنِ الفَقِيرِ. ثُمَّ قالَ: (كَلّا) وهو رَدْعٌ عَنِ المُعاتَبِ عَلَيْهِ وعَنْ مُعاوَدَةِ مِثْلِهِ. قالَ الحَسَنُ: لَمّا تَلا جِبْرِيلُ عَلى النَّبِيِّ -ﷺ- هَذِهِ الآياتِ عادَ وجْهُهُ كَأنَّما أُسِفَّ الرَّمادَ فِيهِ يَنْتَظِرُ ماذا يَحْكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمّا قالَ: (كَلّا) سُرِّيَ مِنهُ، أيْ لا تَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ، وقَدْ بَيَّنّا نَحْنُ أنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلى تَرْكِ الأوْلى. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ وفِيهِ سُؤالانِ: الأوَّلُ: قَوْلُهُ: (إنَّها) ضَمِيرُ المُؤَنَّثِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ ضَمِيرُ المُذَكَّرِ، والضَّمِيرانِ عائِدانِ إلى شَيْءٍ واحِدٍ، فَكَيْفَ القَوْلُ فِيهِ؟ . الجَوابُ: وفِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: (إنَّها) ضَمِيرُ المُؤَنَّثِ، قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي آياتِ القُرْآنِ، وقالَ الكَلْبِيُّ: يَعْنِي هَذِهِ السُّورَةَ وهو قَوْلُ الأخْفَشِ، والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ عائِدٌ إلى التَّذْكِرَةِ أيْضًا، لِأنَّ التَّذْكِرَةَ في مَعْنى الذِّكْرِ والوَعْظِ. الثّانِي: قالَ صاحِبُ النَّظْمِ: إنَّها تَذْكِرَةٌ يَعْنِي بِها القُرْآنَ، والقُرْآنُ مُذَكَّرٌ، إلّا أنَّهُ لَمّا جَعَلَ القُرْآنَ تَذْكِرَةً أخْرَجَهُ عَلى لَفْظِ التَّذْكِرَةِ، ولَوْ ذَكَرَهُ لَجازَ كَما قالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿كَلّا إنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ والدَّلِيلُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ المُرادُ بِهِ القُرْآنُ قَوْلُهُ ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ . السُّؤالُ الثّانِي: كَيْفَ اتِّصالُ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها؟ الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: كَأنَّهُ قِيلَ: هَذا التَّأْدِيبُ الَّذِي أوْحَيْتُهُ إلَيْكَ وعَرَّفْتُهُ لَكَ في إجْلالِ الفُقَراءِ وعَدَمِ الِالتِفاتِ إلى أهْلِ الدُّنْيا أُثْبِتَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ الَّذِي قَدْ وُكِّلَ بِحِفْظِهِ أكابِرُ المَلائِكَةِ. الثّانِي: كَأنَّهُ قِيلَ: هَذا القُرْآنُ قَدْ بَلَغَ في العَظَمَةِ إلى هَذا الحَدِّ العَظِيمِ، فَأيُّ حاجَةٍ بِهِ إلى أنْ يَقْبَلَهُ هَؤُلاءِ الكُفّارُ، فَسَواءٌ قَبِلُوهُ أوْ لَمْ يَقْبَلُوهُ فَلا تَلْتَفِتْ إلَيْهِمْ ولا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهِمْ، وإيّاكَ وأنْ تُعْرِضَ عَمَّنْ آمَنَ بِهِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ أرْبابِ الدُّنْيا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب