الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ في مَنامِكَ قَلِيلًا ولَوْ أراكَهم كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ ولَتَنازَعْتُمْ في الأمْرِ ولَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ اعْلَمْ أنَّ هَذا هو النَّوْعُ الثّانِي مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أنْعَمَ اللَّهُ بِها عَلى أهْلِ بَدْرٍ، وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: ﴿إذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ مَنصُوبٌ بِإضْمارِ اذْكُرْ، أوْ هو بَدَلٌ ثانٍ مِن يَوْمَ الفُرْقانِ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أيْ يَعْلَمُ المَصالِحَ إذْ يُقَلِّلُهم في أعْيُنِكم. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ مُجاهِدٌ: أرى اللَّهُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ كُفّارَ قُرَيْشٍ في مَنامِهِ قَلِيلًا فَأخْبَرَ بِذَلِكَ أصْحابَهُ. فَقالُوا: رُؤْيا النَّبِيِّ حَقٌّ، القَوْمُ قَلِيلٌ، فَصارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِجَراءَتِهِمْ وقُوَّةِ قُلُوبِهِمْ. فَإنْ قِيلَ: رُؤْيَةُ الكَثِيرِ قَلِيلًا غَلَطٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مِنَ اللَّهِ تَعالى أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ؟ (p-١٣٦)قُلْنا: مَذْهَبُنا أنَّهُ تَعالى يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ، وأيْضًا لَعَلَّهُ تَعالى أراهُ البَعْضَ دُونَ البَعْضِ فَحَكَمَ الرَّسُولُ عَلى أُولَئِكَ الَّذِينَ رَآهم بِأنَّهم قَلِيلُونَ. وعَنِ الحَسَنِ: هَذِهِ الإراءَةُ كانَتْ في اليَقَظَةِ. قالَ: والمُرادُ مِنَ المَنامِ العَيْنُ الَّتِي هي مَوْضِعُ النَّوْمِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ أراكَهم كَثِيرًا﴾ لَذَكَرْتَهُ لِلْقَوْمِ ولَوْ سَمِعُوا ذَلِكَ لَفَشِلُوا ولَتَنازَعُوا، ومَعْنى التَّنازُعِ في الأمْرِ الِاخْتِلافُ الَّذِي يُحاوِلُ بِهِ كُلُّ واحِدٍ نَزْعَ صاحِبِهِ عَمّا هو عَلَيْهِ، والمَعْنى: لاضْطَرَبَ أمْرُكم واخْتَلَفَتْ كَلِمَتُكُمْ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾ أيْ سَلَّمَكم مِنَ المُخالَفَةِ فِيما بَيْنَكم. وقِيلَ: سَلَّمَ اللَّهُ لَهم أمْرَهم حَتّى أظْهَرَهم عَلى عَدُوِّهِمْ، وقِيلَ: سَلَّمَهم مِنَ الهَزِيمَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، والأظْهَرُ أنَّ المُرادَ: ولَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَكم مِنَ التَّنازُعِ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ يَعْلَمُ ما يَحْصُلُ فِيها مِنَ الجَراءَةِ والجُبْنِ والصَّبْرِ والجَزَعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب