الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ والَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ (p-١٢٩).
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ أحْوالَ هَؤُلاءِ الكُفّارِ في الطّاعاتِ البَدَنِيَّةِ، أتْبَعَها بِشَرْحِ أحْوالِهِمْ في الطّاعاتِ المالِيَّةِ، قالَ مُقاتِلٌ والكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في المُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وكانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِن كِبارِ قُرَيْشٍ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في أبِي سُفْيانَ وإنْفاقِهِ المالَ عَلى حَرْبِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ أُحُدٍ، وكانَ قَدِ اسْتَأْجَرَ ألْفَيْنِ مِنَ الأحابِيشِ سِوى مَنِ اسْتَجاشَ مِنَ العَرَبِ، وأنْفَقَ عَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ أُوقِيَّةً والأُوقِيَّةُ اثْنانِ وأرْبَعُونَ مِثْقالًا، هَكَذا قالَهُ صاحِبُ ”الكَشّافِ“، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّهم إنَّما يُنْفِقُونَ هَذا المالَ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أيْ كانَ غَرَضُهم في الإنْفاقِ الصَّدَّ عَنِ اتِّباعِ مُحَمَّدٍ وهو سَبِيلُ اللَّهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهم كَذَلِكَ.
ثُمَّ قالَ: ﴿فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ يَعْنِي: أنَّهُ سَيَقَعُ هَذا الإنْفاقُ ويَكُونُ عاقِبَتُهُ الحَسْرَةَ؛ لِأنَّهُ يَذْهَبُ المالُ ولا يَحْصُلُ المَقْصُودُ، بَلْ يَصِيرُونَ مَغْلُوبِينَ في آخِرِ الأمْرِ كَما قالَ تَعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المُجادَلَةِ: ٢١] .
وقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾، فِيهِ بَحْثانِ:
البَحْثُ الأوَّلُ: أنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وإلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ؛ لِأنَّهُ كانَ فِيهِمْ مَن أسْلَمَ، بَلْ ذَكَرَ أنَّ الَّذِينَ بَقُوا عَلى الكُفْرِ يَكُونُونَ كَذَلِكَ.
البَحْثُ الثّانِي: أنَّ ظاهِرَ قَوْلِهِ: ﴿إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ يُفِيدُ أنَّهُ لا يَكُونُ حَشْرُهم إلّا إلى جَهَنَّمَ؛ لِأنَّ تَقْدِيمَ الخَبَرِ يُفِيدُ الحَصْرَ.
واعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذا الكَلامِ أنَّهم لا يَسْتَفِيدُونَ مِن بَذْلِهِمْ أمْوالَهم في تِلْكَ الإنْفاقاتِ إلّا الحَسْرَةَ والخَيْبَةَ في الدُّنْيا، والعَذابَ الشَّدِيدَ في الآخِرَةِ، وذَلِكَ يُوجِبُ الزَّجْرَ العَظِيمَ عَنْ ذَلِكَ الإنْفاقِ، ثُمَّ قالَ: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: لِيَمِيزَ اللَّهُ الفَرِيقَ الخَبِيثَ مِنَ الكُفّارِ مِنَ الفَرِيقِ الطَّيِّبِ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَيَجْعَلَ الفَرِيقَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ، فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا وهو عِبارَةٌ عَنِ الجَمْعِ والضَّمِّ حَتّى يَتَراكَمُوا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجِنِّ: ١٩] يَعْنِي لِفَرْطِ ازْدِحامِهِمْ فَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الفَرِيقِ الخَبِيثِ.
والقَوْلُ الثّانِي: المُرادُ بِالخَبِيثِ نَفَقَةُ الكافِرِ عَلى عَداوَةِ مُحَمَّدٍ، وبِالطَّيِّبِ نَفَقَةُ المُؤْمِنِ في جِهادِ الكُفّارِ، كَإنْفاقِ أبِي بَكْرٍ وعُثْمانَ في نُصْرَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَيَضُمُّ تَعالى تِلْكَ الأُمُورَ الخَبِيثَةَ بَعْضَها إلى بَعْضٍ فَيُلْقِيها في جَهَنَّمَ، ويُعَذِّبُهم بِها كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتُكْوى بِها جِباهُهم وجُنُوبُهم وظُهُورُهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٥]، واللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ﴾ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿يُحْشَرُونَ﴾ والمَعْنى أنَّهم يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللَّهُ الفَرِيقَ الخَبِيثَ مِنَ الفَرِيقِ الطَّيِّبِ، وعَلى القَوْلِ الثّانِي مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ وهو إشارَةٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ لِیَصُدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیۡهِمۡ حَسۡرَةࣰ ثُمَّ یُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحۡشَرُونَ","لِیَمِیزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ وَیَجۡعَلَ ٱلۡخَبِیثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَیَرۡكُمَهُۥ جَمِیعࣰا فَیَجۡعَلَهُۥ فِی جَهَنَّمَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ لِیَصُدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیۡهِمۡ حَسۡرَةࣰ ثُمَّ یُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق