الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكم خاصَّةً واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى كَما حَذَّرَ الإنْسانَ أنْ يُحالَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَلْبِهِ، فَكَذَلِكَ حَذَّرَهُ مِنَ الفِتَنِ، والمَعْنى: واحْذَرُوا فِتْنَةً إنْ نَزَلَتْ بِكم لَمْ تَقْتَصِرْ عَلى الظّالِمِينَ خاصَّةً بَلْ تَتَعَدّى إلَيْكم جَمِيعًا وتَصِلُ إلى الصّالِحِ والطّالِحِ. عَنِ الحَسَنِ: نَزَلَتْ في عَلِيٍّ وعَمّارٍ وطَلْحَةَ والزُّبَيْرِ وهو يَوْمُ الجَمَلِ خاصَّةً. قالَ الزُّبَيْرُ: نَزَلَتْ فِينا وقَرَأْناها زَمانًا وما ظَنَنّا أنّا أهْلُها فَإذا نَحْنُ المَعْنِيُّونَ بِها، وعَنِ السُّدِّيِّ: نَزَلَتْ في أهْلِ بَدْرٍ اقْتَتَلُوا يَوْمَ الجَمَلِ، «ورُوِيَ أنَّ الزُّبَيْرَ كانَ يُسامِرُ النَّبِيَّ ﷺ يَوْمًا إذْ أقْبَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَضَحِكَ إلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: ”كَيْفَ حُبُّكَ لِعَلِيٍّ ؟“، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أُحِبُّهُ كَحُبِّي لِوَلَدِي أوْ أشَدَّ، فَقالَ: ”كَيْفَ أنْتَ إذا سِرْتَ إلَيْهِ تُقاتِلُهُ» “ . فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جازَ دُخُولُ النُّونِ المُؤَكِّدَةِ في جَوابِ الأمْرِ ؟ . قُلْنا: فِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّ جَوابَ الأمْرِ جاءَ بِلَفْظِ النَّهْيِ، ومَتى كانَ كَذَلِكَ حَسُنَ إدْخالُ النُّونِ المُؤَكَّدَةِ في ذَلِكَ النَّهْيِ، كَقَوْلِكَ: انْزِلْ عَنِ الدّابَّةِ لا تَطْرَحْكَ أوْ لا تَطْرَحَنَّكَ، وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ﴾ [النَّمْلِ: ١٨] . الثّانِي: أنَّ التَّقْدِيرَ: واتَّقُوا فِتْنَةً تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكم خاصَّةً، إلّا أنَّهُ جِيءَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ مُبالَغَةً في نَفْيِ اخْتِصاصِ الفِتْنَةِ بِالظّالِمِينَ كَأنَّ الفِتْنَةَ نُهِيَتْ عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِصاصِ، وقِيلَ لَها: لا تُصِيبِي الَّذِينَ ظَلَمُوا خاصَّةً، والمُرادُ مِنهُ: المُبالَغَةُ في عَدَمِ الِاخْتِصاصِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ والمُرادُ مِنهُ: الحَثُّ عَلى لُزُومِ الِاسْتِقامَةِ خَوْفًا مِن عِقابِ اللَّهِ. فَإنْ قِيلَ: حاصِلُ الكَلامِ في الآيَةِ أنَّهُ تَعالى يُخَوِّفُهم مِن عَذابٍ لَوْ نَزَلَ لَعَمَّ المُذْنِبَ وغَيْرَهُ، وكَيْفَ يَلِيقُ (p-١٢١)بِرَحْمَةِ الرَّحِيمِ الحَكِيمِ أنْ يُوصِلَ الفِتْنَةَ والعَذابَ إلى مَن لَمْ يُذْنِبْ ؟ . قُلْنا: إنَّهُ تَعالى قَدْ يُنْزِلُ المَوْتَ والفَقْرَ والعَمى والزَّمانَةَ بِعَبْدِهِ ابْتِداءً، إمّا لِأنَّهُ يَحْسُنُ مِنهُ تَعالى ذَلِكَ بِحُكْمِ المالِكِيَّةِ، أوْ لِأنَّهُ تَعالى عَلِمَ اشْتِمالَ ذَلِكَ عَلى نَوْعٍ مِن أنْواعِ الصَّلاحِ عَلى اخْتِلافِ المَذْهَبَيْنِ، وإذا جازَ ذَلِكَ لِأحَدِ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ فَكَذا هَهُنا، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب