الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وهم لا يَسْمَعُونَ﴾ ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهم ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا خاطَبَ المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَنْتَهُوا فَهو خَيْرٌ لَكم وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكم شَيْئًا﴾ أتْبَعَهُ بِتَأْدِيبِهِمْ فَقالَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ ولَمْ يُبَيِّنْ أنَّهم ماذا يَسْمَعُونَ إلّا أنَّ الكَلامَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا لَمّا كانَ واقِعًا في الجِهادِ عُلِمَ أنَّ المُرادَ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ دُعاءَهُ إلى الجِهادِ، ثُمَّ إنَّ الجِهادَ اشْتَمَلَ عَلى أمْرَيْنِ:
أحَدُهُما: المُخاطَرَةُ بِالنَّفْسِ.
والثّانِي: الفَوْزُ بِالأمْوالِ.
ولَمّا كانَتِ المُخاطَرَةُ بِالنَّفْسِ شاقَّةٌ شَدِيدَةٌ عَلى كُلِّ أحَدٍ، وكانَ تَرْكُ المالِ بَعْدَ القُدْرَةِ عَلى أخْذِهِ شاقًّا شَدِيدًا، لا جَرَمَ بالَغَ اللَّهُ تَعالى في التَّأْدِيبِ في هَذا البابِ فَقالَ: ﴿أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ في الإجابَةِ إلى الجِهادِ، وفي الإجابَةِ إلى تَرْكِ المالِ إذا أمَرَهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ، والمَقْصُودُ تَقْرِيرُ ما ذَكَرْناهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنْفالِ: ١] .
فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ قالَ ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ فَجَعَلَ الكِنايَةَ واحِدَةً مَعَ أنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اللَّهِ ورَسُولِهِ ؟ .
(p-١١٦)قُلْنا: إنَّهُ تَعالى أمَرَ بِطاعَةِ اللَّهِ وبِطاعَةِ رَسُولِهِ. ثُمَّ قالَ: ﴿ولا تَوَلَّوْا﴾ لِأنَّ التَّوَلِّيَ إنَّما يَصِحُّ في حَقِّ الرَّسُولِ بِأنْ يُعْرِضُوا عَنْهُ وعَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ وعَنْ مَعُونَتِهِ في الجِهادِ.
ثُمَّ قالَ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ: ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وهم لا يَسْمَعُونَ﴾ والمَعْنى: أنَّ الإنْسانَ لا يُمْكِنُهُ أنْ يَقْبَلَ التَّكْلِيفَ وأنْ يَلْتَزِمَهُ إلّا بَعْدَ أنْ يَسْمَعَهُ، فَجَعَلَ السَّماعَ كِنايَةً عَنِ القَبُولِ، ومِنهُ قَوْلُهم سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، والمَعْنى: ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ يَقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ أنّا قَبِلْنا تَكالِيفَ اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ إنَّهم بِقُلُوبِهِمْ لا يَقْبَلُونَها. وهو صِفَةٌ لِلْمُنافِقِينَ كَما أخْبَرَ اللَّهُ عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿وإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وإذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إنّا مَعَكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ١٤] .
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ واخْتَلَفُوا في الدَّوابِّ، فَقِيلَ: شَبَّهَهم بِالدَّوابِّ لِجَهْلِهِمْ وعُدُولِهِمْ عَنِ الِانْتِفاعِ بِما يَقُولُونَ ويُقالُ لَهُمْ؛ ولِذَلِكَ وصَفَهم بِالصُّمِّ والبُكْمِ وبِأنَّهم لا يَعْقِلُونَ. وقِيلَ: بَلْ هم مِنَ الدَّوابِّ لِأنَّهُ اسْمٌ لِما دَبَّ عَلى الأرْضِ ولَمْ يَذْكُرْهُ في مَعْرِضِ التَّشْبِيهِ، بَلْ وصَفَهم بِصِفَةٍ تَلِيقُ بِهِمْ عَلى طَرِيقَةِ الذَّمِّ، كَما يُقالُ لِمَن لا يَفْهَمُ الكَلامَ هو شَبَحٌ وجَسَدٌ وطَلَلٌ عَلى جِهَةِ الذَّمِّ.
ثُمَّ قالَ: ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهم ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ والمَعْنى أنَّ كُلَّ ما كانَ حاصِلًا فَإنَّهُ يَجِبُ أنْ يَعْلَمَهُ اللَّهُ، فَعَدَمُ عِلْمِ اللَّهِ بِوُجُودِهِ مِن لَوازِمِ عَدَمِهِ، فَلا جَرَمَ حَسُنَ التَّعْبِيرُ عَنْ عَدَمِهِ في نَفْسِهِ بِعَدَمِ عِلْمِ اللَّهِ بِوُجُودِهِ، وتَقْرِيرُ الكَلامِ: لَوْ حَصَلَ فِيهِمْ خَيْرٌ لَأسْمَعَهُمُ اللَّهُ الحُجَجَ والمَواعِظَ سَماعَ تَعْلِيمٍ وتَفْهِيمٍ، ولَوْ أسْمَعَهم بَعْدَ أنْ عَلِمَ أنَّهُ لا خَيْرَ فِيهِمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِها، ولَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ. قِيلَ: إنَّ الكُفّارَ سَألُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يُحْيِيَ لَهم قُصَيَّ بْنَ كِلابٍ وغَيْرَهُ مِن أمْواتِهِمْ لِيُخْبِرُوهم بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لَوْ عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا وهو انْتِفاعُهم بِقَوْلِ هَؤُلاءِ الأمْواتِ لَأحْياهم حَتّى يَسْمَعُوا كَلامَهم، ولَكِنَّهُ تَعالى عَلِمَ مِنهم أنَّهم لا يَقُولُونَ هَذا الكَلامَ إلّا عَلى سَبِيلِ العِنادِ والتَّعَنُّتِ، وأنَّهُ لَوْ أسْمَعَهُمُ اللَّهُ كَلامَهم لَتَوَلَّوْا عَنْ قَبُولِ الحَقِّ ولَأعْرَضُوا عَنْهُ.
{"ayahs_start":20,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡا۟ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ","وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَهُمۡ لَا یَسۡمَعُونَ","۞ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَاۤبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡقِلُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡا۟ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق