الباحث القرآني
الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ ما سَعى﴾ يَعْنِي إذا رَأى أعْمالَهُ مُدَوَّنَةً في كِتابِهِ تَذَكَّرَها، وكانَ قَدْ نَسِيَها، كَقَوْلِهِ: ﴿أحْصاهُ اللَّهُ ونَسُوهُ﴾ [المُجادَلَةِ: ٦] .
الصِّفَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرى﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِمَن يَرى﴾ أيْ أنَّها تَظْهَرُ إظْهارًا مَكْشُوفًا لِكُلِّ ناظِرٍ ذِي بَصَرٍ ثُمَّ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ اسْتِعارَةٌ في كَوْنِهِ مُنْكَشِفًا ظاهِرًا كَقَوْلِهِمْ: تَبَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ. وعَلى هَذا التَّأْوِيلِ لا يَجِبُ أنْ يَراهُ كُلُّ أحَدٍ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّها بُرِّزَتْ لِيَراها كُلُّ مَن لَهُ عَيْنٌ وبَصَرٌ، وهَذا يُفِيدُ أنَّ كُلَّ النّاسِ يَرَوْنَها مِنَ المُؤْمِنِينَ والكُفّارِ، إلّا أنَّها مَكانُ الكُفّارِ ومَأْواهُمْ، والمُؤْمِنُونَ يَمُرُّونَ عَلَيْها، وهَذا التَّأْوِيلُ مُتَأكِّدٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ [مَرْيَمَ: ٧١] إلى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [مَرْيَمَ: ٧٢] فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ تَعالى قالَ في سُورَةِ الشُّعَراءِ: ﴿وأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغاوِينَ﴾ [الشُّعَراءِ: ٩١،٩٠] (p-٤٧)فَخَصَّ الغاوِينَ بِتَبْرِيزِها لَهُمْ، قُلْنا: إنَّها بُرِّزَتْ لِلْغاوِينَ، والمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَها أيْضًا في المَمَرِّ، ولا مُنافاةَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ أبُو نَهِيكٍ: ”وبَرَزَتْ“ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”لِمَن رَأى“، وقَرَأ عِكْرِمَةُ: ”لِمَن تَرى“، والضَّمِيرُ لِلْجَحِيمِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إذا رَأتْهم مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفُرْقانِ: ١٢] وقِيلَ: لِمَن تَرى يا مُحَمَّدُ مِنَ الكُفّارِ الَّذِينَ يُؤْذُونَكَ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا وصَفَ حالَ القِيامَةِ في الجُمْلَةِ قَسَّمَ المُكَلَّفِينَ قِسْمَيْنِ: الأشْقِياءُ والسُّعَداءُ، فَذَكَرَ حالَ الأشْقِياءِ.
﴿فَأمّا مَن طَغى﴾ ﴿وآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ ﴿فَإنَّ الجَحِيمَ هي المَأْوى﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في جَوابِ قَوْلِهِ: ﴿فَإذا جاءَتِ الطّامَّةُ الكُبْرى﴾ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قالَ الواحِدِيُّ: إنَّهُ مَحْذُوفٌ عَلى تَقْدِيرِ: إذا جاءَتِ الطّامَّةُ دَخَلَ أهْلُ النّارِ النّارَ، وأهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، ودَلَّ عَلى هَذا المَحْذُوفِ ما ذُكِرَ في بَيانِ مَأْوى الفَرِيقَيْنِ، ولِهَذا كانَ يَقُولُ مالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ في تَفْسِيرِ الطّامَّةِ الكُبْرى، قالَ: إنَّها إذا سَبَقَ أهْلُ الجَنَّةِ إلى الجَنَّةِ، وأهْلُ النّارِ إلى النّارِ.
والثّانِي: أنَّ جَوابَهُ قَوْلُهُ: ﴿فَإنَّ الجَحِيمَ هي المَأْوى﴾ وكَأنَّهُ جَزاءٌ مُرَكَّبٌ عَلى شَرْطَيْنِ نَظِيرُهُ: إذا جاءَ الغَدُ فَمَن جاءَنِي سائِلًا أعْطَيْتُهُ، كَذا هاهُنا أيْ إذا جاءَتِ الطّامَّةُ الكُبْرى فَمَن جاءَ طاغِيًا فَإنَّ الجَحِيمَ مَأْواهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مِنهم مَن قالَ: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿طَغى﴾ ﴿وآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ النَّضْرُ وأبُوهُ الحارِثُ، فَإنْ كانَ المُرادُ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ عِنْدَ صُدُورِ بَعْضِ المُنْكِراتِ مِنهُ فَجَيِّدٌ، وإنْ كانَ المُرادُ تَخْصِيصُها بِهِ فَبَعِيدٌ؛ لِأنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لا سِيَّما إذا عُرِفَ بِضَرُورَةِ العَقْلِ أنَّ المُوجِبَ لِذَلِكَ الحُكْمِ هو الوَصْفُ المَذْكُورُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (طَغى)، إشارَةٌ إلى فَسادِ حالِ القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ؛ لِأنَّ كُلَّ مَن عَرَفَ اللَّهَ عَرَفَ حَقارَةَ نَفْسِهِ، وعَرَفَ اسْتِيلاءَ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَلا يَكُونُ لَهُ طُغْيانٌ وتَكَبُّرٌ، وقَوْلُهُ: ﴿وآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ إشارَةٌ إلى فَسادِ حالِ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ، وإنَّما ذُكِرَ ذَلِكَ لِما رُوِيَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنَّهُ قالَ: ”«حُبُّ الدُّنْيا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» “ ومَتى كانَ الإنْسانُ والعِياذُ بِاللَّهِ مَوْصُوفًا بِهَذَيْنِ الأمْرَيْنِ، كانَ بالِغًا في الفَسادِ إلى أقْصى الغاياتِ، وهو الكافِرُ الَّذِي يَكُونُ عِقابُهُ مُخَلَّدًا، وتَخْصِيصُهُ بِهَذِهِ الحالَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الفاسِقَ الَّذِي لا يَكُونُ كَذَلِكَ لا تَكُونُ الجَحِيمُ مَأْوًى لَهُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: فَإنَّ الجَحِيمَ هي المَأْوى لَهُ، ثُمَّ حُذِفَتِ الصِّلَةُ لِوُضُوحِ المَعْنى كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: غُضَّ الطَّرْفَ، أيْ غُضَّ طَرْفَكَ، وعِنْدِي فِيهِ وجْهٌ آخَرُ، وهو أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَإنَّ الجَحِيمَ هي المَأْوى اللّائِقُ بِمَن كانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفاتِ والأخْلاقِ.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِیمُ لِمَن یَرَىٰ","فَأَمَّا مَن طَغَىٰ","وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا","فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ"],"ayah":"وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِیمُ لِمَن یَرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق