الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وأهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشى﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: (p-٣٨)المَسْألَةُ الأُولى: القائِلُونَ بِأنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لا تُسْتَفادُ إلّا مِنَ الهادِي تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: إنَّها صَرِيحَةٌ في أنَّهُ يَهْدِيهِ إلى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، ثُمَّ قالُوا: ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا هو المَقْصُودُ الأعْظَمُ مِن بِعْثَةِ الرُّسُلِ أمْرانِ: الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى﴾ يَتَناوَلُ جَمِيعَ الأُمُورِ الَّتِي لا بُدَّ لِلْمَبْعُوثِ إلَيْهِ مِنها، فَيَدْخُلُ فِيهِ هَذِهِ الهِدايَةُ، فَلَمّا أعادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمَ أنَّهُ هو المَقْصُودُ الأعْظَمُ مِنَ البَعْثَةِ. والثّانِي: أنَّ مُوسى خَتَمَ كَلامَهُ عَلَيْهِ، وذَلِكَ يُنَبِّهُ أيْضًا عَلى أنَّهُ أشْرَفُ المَقاصِدِ مِنَ البَعْثَةِ. والجَوابُ: أنّا لا نَمْنَعُ أنْ يَكُونَ لِلتَّنْبِيهِ والإشارَةِ مَعُونَةً في الكَشْفِ عَنِ الحَقِّ، إنَّما النِّزاعُ في أنَّكم تَقُولُونَ: يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ إلّا مِنَ المُعْلِمِ، ونَحْنُ لا نُحِلُّ ذَلِكَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ مُقَدَّمَةٌ عَلى طاعَتِهِ؛ لِأنَّهُ ذَكَرَ الهِدايَةَ وجَعَلَ الخَشْيَةَ مُؤَخَّرَةً عَنْها ومُفَرَّعَةً عَلَيْها، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى في أوَّلِ النَّحْلِ: ﴿أنْ أنْذِرُوا أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاتَّقُونِ﴾ [النَّحْلِ: ٢] وفي طه: ﴿إنَّنِي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدْنِي﴾ [طه: ١٤] . المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الخَشْيَةَ لا تَكُونُ إلّا بِالمَعْرِفَةِ. قالَ تَعالى: ﴿إنَّما يَخْشى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾ [فاطِرٍ: ٢٨] أيِ العُلَماءُ بِهِ، ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الخَشْيَةَ مِلاكُ الخَيْراتِ؛ لِأنَّ مَن خَشِيَ اللَّهَ أتى مِنهُ كُلُّ خَيْرٍ، ومَن أمِنَ اجْتَرَأ عَلى كُلِّ شَرٍّ، ومِنهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«مَن خافَ أدْلَجَ، ومَن أدْلَجَ بَلَغَ المَنزِلَ» “ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب