الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ ﴿إذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالوادِي المُقَدَّسِ طُوًى﴾ ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ فِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ وجْهَ المُناسَبَةِ بَيْنَ هَذِهِ القِصَّةِ وبَيْنَ ما قَبْلَها مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى حَكى عَنِ الكُفّارِ إصْرارَهم عَلى إنْكارِ البَعْثِ حَتّى انْتَهَوْا في ذَلِكَ الإنْكارِ إلى حَدِّ الِاسْتِهْزاءِ في قَوْلِهِمْ: ﴿تِلْكَ إذًا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ﴾ وكانَ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلى مُحَمَّدٍ -ﷺ- فَذَكَرَ قِصَّةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وبَيَّنَ أنَّهُ تَحَمَّلَ المَشَقَّةَ الكَثِيرَةَ في دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ ذَلِكَ كالتَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ -ﷺ- . الثّانِي: أنَّ فِرْعَوْنَ كانَ أقْوى مِن كُفّارِ قُرَيْشٍ وأكْثَرَ جَمْعًا وأشَدَّ شَوْكَةً، فَلَمّا تَمَرَّدَ عَلى مُوسى أخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ والأُولى، فَكَذَلِكَ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ في تَمَرُّدِهِمْ عَلَيْكَ إنْ أصَرُّوا أخَذَهُمُ اللَّهُ وجَعَلَهم نَكالًا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿هَلْ أتاكَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ ألَيْسَ قَدْ ﴿أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾، هَذا إنْ كانَ قَدْ أتاهُ ذَلِكَ قَبْلَ هَذا الكَلامِ، أمّا إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أتاهُ فَقَدْ يَجُوزُ أنْ يُقالَ: ﴿هَلْ أتاكَ﴾ كَذا أمْ أنا أُخْبِرُكَ بِهِ فَإنَّ فِيهِ عِبْرَةً لِمَن يَخْشى؟
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الوادِي المُقَدَّسُ المُبارَكُ المُطَهَّرُ، وفي قَوْلِهِ: (طُوًى) وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهُ اسْمُ وادٍ بِالشّامِ وهو عِنْدَ الطُّورِ الَّذِي أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ في قَوْلِهِ: ( والطُّورِ ﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطُّورِ: ٢،١] وقَوْلِهِ: ﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ [مَرْيَمَ: ٥٢] .
والثّانِي: أنَّهُ بِمَعْنى: يا رَجُلُ بِالعِبْرانِيَّةِ، فَكَأنَّهُ قالَ: يا رَجُلُ، ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ﴾، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (طُوًى) أيْ ناداهُ (طُوًى) مِنَ اللَّيْلَةِ ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ﴾ لِأنَّكَ تَقُولُ: جِئْتُكَ بَعْدَ (طُوًى) أيْ بَعْدَ ساعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ.
والرّابِعُ: أنْ يَكُونَ المَعْنى بِالوادِي المُقَدَّسِ الَّذِي طُوِيَ أيْ بُورِكَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ”طُوى“ بِضَمِّ الطّاءِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ، وقَرَأ الباقُونَ بِضَمِّ الطّاءِ مُنَوَّنًا، ورُوِيَ عَنْ أبِي عَمْرٍو: طِوى بِكَسْرِ الطّاءِ وطَوى مِثْلُ ثَنى، وهُما اسْمانِ لِلشَّيْءِ المَثْنِيِّ، والطَّيُّ بِمَعْنى الثَّنْيِ، أيْ ثَنَّيْتُ في البَرَكَةِ والتَّقْدِيسِ، قالَ الفَرّاءُ: ”طُوى“ وادٍ بَيْنَ المَدِينَةِ ومِصْرَ، فَمَن صَرَفَهُ قالَ: هو ذَكَرٌ سَمَّيْنا بِهِ ذَكَرًا، ومَن لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ مَعْدُولًا عَنْ جِهَتِهِ كَعُمَرَ وزُفَرَ، ثُمَّ قالَ: والصَّرْفُ أحَبُّ إلَيَّ إذْ لَمْ أجِدْ في المَعْدُولِ نَظِيرًا، أيْ لَمْ أجِدِ اسْمًا مِنَ الواوِ والياءِ عُدِلَ عَنْ فاعِلِهِ إلى فِعْلٍ غَيْرَ (طُوًى) .
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: إذْ ناداهُ رَبُّهُ وقالَ: اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ، وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أنِ اذْهَبْ؛ لِأنَّ في النِّداءِ مَعْنى القَوْلِ. وأمّا أنَّ ذَلِكَ النِّداءَ كانَ بِإسْماعِ الكَلامِ القَدِيمِ، أوْ بِإسْماعِ الحَرْفِ والصَّوْتِ، وإنْ كانَ عَلى هَذا الوَجْهِ فَكَيْفَ عَرَفَ مُوسى أنَّهُ كَلامُ اللَّهِ؟ فَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ (طه) .
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: أنَّ سائِرَ الآياتِ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى في أوَّلِ ما نادى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَ لَهُ أشْياءَ كَثِيرَةً، كَقَوْلِهِ في سُورَةِ (طه): ﴿نُودِيَ يامُوسى﴾ ﴿إنِّي أنا رَبُّكَ﴾ [طه: ١٢،١١] إلى قَوْلِهِ: ﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ هاهُنا: ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ مِن جُمْلَةِ ما ناداهُ (p-٣٧)بِهِ رَبُّهُ، لا أنَّهُ كُلُّ ما ناداهُ بِهِ، وأيْضًا لَيْسَ الغَرَضُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مَبْعُوثًا إلى فِرْعَوْنَ فَقَطْ، بَلْ إلى كُلِّ مَن كانَ في ذَلِكَ الطَّرَفِ، إلّا أنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأنَّ دَعْوَتَهُ جارِيَةٌ مَجْرى دَعْوَةِ كُلِّ ذَلِكَ القَوْمِ.
المَسْألَةُ السّابِعَةُ: الطُّغْيانُ مُجاوَزَةُ الحَدِّ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمْ يُبَيِّنْ أنَّهُ تَعَدّى في أيِّ شَيْءٍ، فَلِهَذا قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: مَعْناهُ أنَّهُ تَكَبَّرَ عَلى اللَّهِ وكَفَرَ بِهِ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ طَغى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، والأوْلى عِنْدِي الجَمْعُ بَيْنَ الأمْرَيْنِ، فالمَعْنى أنَّهُ طَغى عَلى الخالِقِ بِأنْ كَفَرَ بِهِ، وطَغى عَلى الخَلْقِ بِأنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ واسْتَعْبَدَهُمْ، وكَما أنَّ كَمالَ العُبُودِيَّةِ لَيْسَ إلّا صِدْقَ المُعامَلَةِ مَعَ الخالِقِ ومَعَ الخَلْقِ، فَكَذا كَمالُ الطُّغْيانِ لَيْسَ إلّا الجَمْعُ بَيْنَ سُوءِ المُعامَلَةِ مَعَ الخالِقِ ومَعَ الخَلْقِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَعَثَهُ إلى فِرْعَوْنَ لَقَّنَهُ كَلامَيْنِ لِيُخاطِبَهُ بِهِما:
{"ayahs_start":15,"ayahs":["هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ","إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى","ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ"],"ayah":"هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











