الباحث القرآني
وثانِيها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والجِبالَ أوْتادًا﴾ أيْ لِلْأرْضِ [ كَيْ ] لا تَمِيدَ بِأهْلِها، فَيَكْمُلُ كَوْنُ الأرْضِ مِهادًا (p-٧)بِسَبَبِ ذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ أيْضًا.
وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وخَلَقْناكم أزْواجًا﴾ وفِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: المُرادُ الذَّكَرُ والأُنْثى كَما قالَ: ﴿وأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [النَّجْمِ: ٤٥]، والثّانِي: أنَّ المُرادَ مِنهُ كُلُّ زَوْجَيْنِ و[ كُلُّ ] مُتَقابِلَيْنِ مِنَ القَبِيحِ والحَسَنِ والطَّوِيلِ والقَصِيرِ وجَمِيعُ المُتَقابِلاتِ والأضْدادِ، كَما قالَ: ﴿ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ﴾ [الذّارِياتِ: ٤٩] وهَذا دَلِيلٌ ظاهِرٌ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ ونِهايَةِ الحِكْمَةِ حَتّى يَصِحَّ الِابْتِلاءُ والِامْتِحانُ، فَيَتَعَبَّدَ الفاضِلُ بِالشُّكْرِ والمَفْضُولُ بِالصَّبْرِ، ويُتَعَرَّفَ حَقِيقَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ، فالإنْسانُ إنَّما يَعْرِفُ قَدْرَ الشَّبابِ عِنْدَ الشَّيْبِ، وإنَّما يَعْرِفُ قَدْرَ الأمْنِ عِنْدَ الخَوْفِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أبْلَغَ في تَعْرِيفِ النِّعَمِ.
ورابِعُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ طَعَنَ بَعْضُ المَلاحِدَةِ في هَذِهِ الآيَةِ فَقالُوا: السُّباتُ هو النَّوْمُ، والمَعْنى: وجَعَلْنا نَوْمَكم نَوْمًا، واعْلَمْ أنَّ العُلَماءَ ذَكَرُوا في التَّأْوِيلِ وُجُوهًا:
أوَّلُها: قالَ الزَّجّاجُ: (سُباتًا) مَوْتًا والمَسْبُوتُ المَيِّتُ مِنَ السَّبْتِ وهو القَطْعُ؛ لِأنَّهُ مَقْطُوعٌ عَنِ الحَرَكَةِ، ودَلِيلُهُ أمْرانِ: أحَدُهُما: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ﴾ [الأنْعامِ: ٦٠] إلى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ﴾ [الأنْعامِ: ٦٠] .
والثّانِي: أنَّهُ لَمّا جَعَلَ النَّوْمَ مَوْتًا جَعَلَ اليَقَظَةَ مَعاشًا، أيْ حَياةً في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ وهَذا القَوْلُ عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ الأشْياءَ المَذْكُورَةَ في هَذِهِ الآيَةِ جَلائِلُ النِّعَمِ، فَلا يَلِيقُ المَوْتُ بِهَذا المَكانِ، وأيْضًا لَيْسَ المُرادُ بِكَوْنِهِ مَوْتًا أنَّ الرُّوحَ انْقَطَعَ عَنِ البَدَنِ، بَلِ المُرادُ مِنهُ انْقِطاعُ أثَرِ الحَواسِّ الظّاهِرَةِ، وهَذا هو النَّوْمُ، ويَصِيرُ حاصِلُ الكَلامِ إلى: إنّا جَعَلْنا نَوْمَكم نَوْمًا.
وثانِيها: قالَ اللَّيْثُ: السُّباتُ النَّوْمُ شِبْهُ الغَشْيِ، يُقالُ: سُبِتَ المَرِيضُ فَهو مَسْبُوتٌ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: السُّباتُ الغَشْيَةُ الَّتِي تَغْشى الإنْسانَ شِبْهَ المَوْتِ، وهَذا القَوْلُ أيْضًا ضَعِيفٌ، لِأنَّ الغَشْيَ هاهُنا إنْ كانَ النَّوْمَ فَيَعُودُ الإشْكالُ، وإنْ كانَ المُرادُ بِالسُّباتِ شِدَّةَ ذَلِكَ الغَشْيِ فَهو باطِلٌ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ كُلُّ نَوْمٍ كَذَلِكَ، ولِأنَّهُ مَرَضٌ فَلا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ في أثْناءِ تَعْدِيدِ النِّعَمِ.
وثالِثُها: أنَّ السَّبْتَ في أصْلِ اللُّغَةِ هو القَطْعُ، يُقالُ: سَبَتَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ يَسْبُتُهُ سَبْتًا إذا حَلَقَ شَعْرَهُ، وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ في قَوْلِهِ: (سُباتًا) أيْ قَطْعًا، ثُمَّ عِنْدَ هَذا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المَعْنى: وجَعَلْنا نَوْمَكم نَوْمًا مُتَقَطِّعًا لا دائِمًا، فَإنَّ النَّوْمَ بِمِقْدارِ الحاجَةِ مِن أنْفَعِ الأشْياءِ. أمّا دَوامُهُ فَمِن أضَرِّ الأشْياءِ، فَلَمّا كانَ انْقِطاعُهُ نِعْمَةً عَظِيمَةً لا جَرَمَ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في مَعْرِضِ الإنْعامِ.
الثّانِي: أنَّ الإنْسانَ إذا تَعِبَ ثُمَّ نامَ، فَذَلِكَ النَّوْمُ يُزِيلُ عَنْهُ ذَلِكَ التَّعَبَ، فَسُمِّيَتْ تِلْكَ الإزالَةُ سَبْتًا وقَطْعًا، وهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ أيْ راحَةً، ولَيْسَ غَرَضُهُ مِنهُ أنَّ السُّباتَ اسْمٌ لِلرّاحَةِ، بَلِ المَقْصُودُ أنَّ النَّوْمَ يَقْطَعُ التَّعَبَ ويُزِيلُهُ، فَحِينَئِذٍ تَحْصُلُ الرّاحَةُ.
الثّالِثُ: قالَ المُبَرِّدُ: ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ أيْ جَعَلْناهُ نَوْمًا خَفِيفًا يُمْكِنُكم دَفْعُهُ وقَطْعُهُ، تَقُولُ العَرَبُ: رَجُلٌ مَسْبُوتٌ إذا كانَ النَّوْمُ يُغالِبُهُ وهو يُدافِعُهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: وجَعَلْنا نَوْمَكم نَوْمًا لَطِيفًا يُمْكِنُكم دَفْعُهُ، وما جَعَلْناهُ غَشْيًا مُسْتَوْلِيًا عَلَيْكُمْ، فَإنَّ ذَلِكَ مِنَ الأمْراضِ الشَّدِيدَةِ، وهَذِهِ الوُجُوهُ كُلُّها صَحِيحَةٌ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادࣰا","وَخَلَقۡنَـٰكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا","وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتࣰا"],"ayah":"وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق