الباحث القرآني
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ لا يُمْكِنُهُ أنْ يُخاطِبَ اللَّهَ في شَيْءٍ أوْ يُطالِبَهُ بِشَيْءٍ قَرَّرَ هَذا المَعْنى وأكَّدَهُ، فَقالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وقالَ صَوابًا﴾ .
وذَلِكَ لِأنَّ المَلائِكَةَ أعْظَمُ المَخْلُوقاتِ قَدْرًا ورُتْبَةً، وأكْثَرُ قُدْرَةً ومَكانَةً، فَبَيَّنَ أنَّهم لا يَتَكَلَّمُونَ في مَوْقِفِ القِيامَةِ إجْلالًا لِرَبِّهِمْ وخَوْفًا مِنهُ وخُضُوعًا لَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ حالُ غَيْرِهِمْ؟ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: لِمَن يَقُولُ بِتَفْضِيلِ المَلَكِ عَلى البَشَرِ أنْ يَتَمَسَّكَ بِهَذِهِ الآيَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الآيَةِ أنَّ المَلائِكَةَ لَمّا بَقُوا خائِفِينَ خاضِعِينَ وجِلِينَ مُتَحَيِّرِينَ في مَوْقِفِ جَلالِ اللَّهِ وظُهُورِ عِزَّتِهِ وكِبْرِيائِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حالُ غَيْرِهِمْ؟ ومَعْلُومٌ أنَّ هَذا الِاسْتِدْلالَ لا يَتِمُّ إلّا إذا كانُوا أشْرَفَ المَخْلُوقاتِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في الرُّوحِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ مَلَكٌ أعْظَمُ مِنَ السَّماواتِ والجِبالِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ هو مَلَكٌ مِن أعْظَمِ المَلائِكَةِ خَلْقًا، وعَنْ مُجاهِدٍ: خَلْقٌ عَلى صُورَةِ بَنِي آدَمَ يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ، ولَيْسُوا بِناسٍ، وعَنِ الحَسَنِ وقَتادَةَ هم بَنُو آدَمَ، وعَلى هَذا مَعْناهُ ذُو الرُّوحِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أرْواحُ النّاسِ، وعَنِ الضَّحّاكِ والشَّعْبِيِّ هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهَذا القَوْلُ هو المُخْتارُ عِنْدَ القاضِي، قالَ: لِأنَّ القُرْآنَ دَلَّ عَلى أنَّ هَذا الِاسْمَ اسْمُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وثَبَتَ أنَّ القِيامَ صَحِيحٌ مِن جِبْرِيلَ والكَلامَ صَحِيحٌ مِنهُ، ويَصِحُّ أنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَكَيْفَ يُصْرَفُ هَذا الِاسْمُ عَنْهُ إلى خَلْقٍ لا نَعْرِفُهُ، أوْ إلى القُرْآنِ الَّذِي لا يَصِحُّ وصْفُهُ بِالقِيامِ. أمّا قَوْلُهُ: (صَّفًا) فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّ الرُّوحَ عَلى الِاخْتِلافِ الَّذِي ذَكَرْنا، وجَمِيعُ المَلائِكَةِ يَقُومُونَ صَفًّا واحِدًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى يَقُومُونَ صَفَّيْنِ، ويَجُوزُ صُفُوفًا، والصَّفُّ في الأصْلِ مَصْدَرٌ فَيُنْبِئُ عَنِ الواحِدِ والجَمْعِ، وظاهِرُ قَوْلِ المُفَسِّرِينَ أنَّهم يَقُومُونَ صَفَّيْنِ، فَيَقُومُ الرُّوحُ وحْدَهُ صَفًّا، وتَقُومُ المَلائِكَةُ كُلُّهم صَفًّا واحِدًا، فَيَكُونُ عِظَمُ خَلْقِهِ مِثْلَ صُفُوفِهِمْ، وقالَ بَعْضُهم: بَلْ يَقُومُونَ صُفُوفًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجاءَ رَبُّكَ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفَجْرِ: ٢٢] .
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الِاسْتِثْناءُ إلى مَن يَعُودُ؟ فِيهِ قَوْلانِ: (p-٢٣)أحَدُهُما: إلى الرُّوحِ والمَلائِكَةِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: الآيَةُ دَلَّتْ عَلى أنَّ الرُّوحَ والمَلائِكَةَ لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا عِنْدَ حُصُولِ شَرْطَيْنِ: أحَدُهُما: حُصُولُ الإذْنِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلّا بِإذْنِهِ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٥٥] والمَعْنى أنَّهم لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ.
والشَّرْطُ الثّانِي: أنْ يَقُولَ صَوابًا، فَإنْ قِيلَ: لَمّا أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ في ذَلِكَ القَوْلِ عَلِمَ أنَّ ذَلِكَ القَوْلَ صَوابٌ لا مَحالَةَ، فَما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ: ﴿وقالَ صَوابًا﴾ ؟ والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ الرَّحْمَنَ أذِنَ لَهُ في مُطْلَقِ القَوْلِ، ثُمَّ إنَّهم عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الإذْنِ لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا بِالصَّوابِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ إنَّهم لا يَنْطِقُونَ إلّا بَعْدَ وُرُودِ الإذْنِ في الكَلامِ، ثُمَّ بَعْدَ وُرُودِ ذَلِكَ الإذْنِ يَجْتَهِدُونَ، ولا يَتَكَلَّمُونَ إلّا بِالكَلامِ الَّذِي يَعْلَمُونَ أنَّهُ صِدْقٌ وصَوابٌ، وهَذا مُبالَغَةٌ في وصْفِهِمْ بِالطّاعَةِ والعُبُودِيَّةِ. الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ تَقْدِيرَهُ: لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا في حَقِّ ﴿مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وقالَ صَوابًا﴾ والمَعْنى لا يَشْفَعُونَ إلّا في حَقِّ شَخْصٍ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ في شَفاعَتِهِ، وذَلِكَ الشَّخْصُ كانَ مِمَّنْ قالَ صَوابًا، واحْتَجَّ صاحِبُ هَذا التَّأْوِيلِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّهم يَشْفَعُونَ لِلْمُذْنِبِينَ؛ لِأنَّهم قالُوا صَوابًا، وهو شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وقالَ صَوابًا﴾ يَكْفِي في صِدْقِهِ أنْ يَكُونَ قَدْ قالَ صَوابًا واحِدًا، فَكَيْفَ بِالشَّخْصِ الَّذِي قالَ القَوْلَ الَّذِي هو أصْوَبُ الأقْوالِ وتَكَلَّمَ بِالكَلامِ الَّذِي هو أشْرَفُ الكَلِماتِ؟ القَوْلُ الثّانِي: أنَّ الِاسْتِثْناءَ غَيْرُ عائِدٍ إلى المَلائِكَةِ فَقَطْ بَلْ إلى جَمِيعِ أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ، والمَقُولُ الأوَّلُ أوْلى لِأنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلى الأقْرَبِ أوْلى.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قَرَّرَ أحْوالَ المُكَلَّفِينَ في دَرَجاتِ الثَّوابِ والعِقابِ، وقَرَّرَ عَظَمَةَ يَوْمِ القِيامَةِ قالَ بَعْدَهُ:
{"ayah":"یَوۡمَ یَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ صَفࣰّاۖ لَّا یَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق