الباحث القرآني
وثانِيها: قَوْلُهُ ﴿لِلطّاغِينَ مَآبًا﴾ وفِيهِ وجْهانِ: إنْ قُلْنا إنَّهُ مِرْصادٌ لِلْكُفّارِ فَقَطْ كانَ قَوْلُهُ: (لِلطّاغِينَ) مِن تَمامِ ما قَبْلَهُ، والتَّقْدِيرُ إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا لِلطّاغِينَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: (مَآبًا) بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: (مِرْصادًا) وإنْ قُلْنا: بِأنَّها كانَتْ مِرْصادًا مُطْلَقًا لِلْكُفّارِ ولِلْمُؤْمِنِينَ، كانَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا﴾ كَلامًا تامًّا، وقَوْلُهُ: ﴿لِلطّاغِينَ مَآبًا﴾ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ جَهَنَّمَ مِرْصادٌ لِلْكُلِّ، ومَآبٌ لِلطّاغِينَ خاصَّةً، ومَن ذَهَبَ إلى القَوْلِ الأوَّلِ لَمْ يَقِفْ عَلى قَوْلِهِ: (مِرْصادًا) أمّا مَن ذَهَبَ إلى القَوْلِ الثّانِي وقَفَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: المُرادُ بِالطّاغِينَ مَن تَكَبَّرَ عَلى رَبِّهِ وطَغى في مُخالَفَتِهِ ومُعارَضَتِهِ، وقَوْلُهُ: (مَآبًا) أيْ مَصِيرًا ومَقَرًّا.
وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنْ جَهَنَّمَ مَآبٌ لِلطّاغِينَ، وبَيَّنَ كَمِّيَّةَ اسْتِقْرارِهِمْ هُناكَ، فَقالَ: ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾ وهاهُنا مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ الجُمْهُورُ (لابِثِينَ) وقَرَأ حَمْزَةُ (لَبِثِينَ) وفِيهِ وجْهانِ. قالَ الفَرّاءُ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ يُقالُ: لابِثٌ ولَبِثٌ، مِثْلُ: طامِعٌ وطَمِعٌ، وفارِهٌ وفَرِهٌ، وهو كَثِيرٌ، وقالَ صاحِبُ الكَشّافِ: واللَّبِثُ أقْوى لِأنَّ اللّابِثَ مَن وُجِدَ مِنهُ اللَّبْثُ، ولا يُقالُ: لَبِثٌ إلّا لِمَن شَأْنُهُ اللَّبْثُ، وهو أنْ يَسْتَقِرَّ في المَكانِ، ولا يَكادُ يَنْفَكُّ عَنْهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الفَرّاءُ: أصْلُ الحِقَبِ مِنَ التَّرادُفِ والتَّتابُعِ، يُقالُ: أحْقَبَ إذا أرْدَفَ ومِنهُ الحَقِيبَةُ ومِنهُ كُلُّ مَن حَمَلَ وِزْرًا فَقَدِ احْتَقَبَ، فَيَجُوزُ عَلى هَذا المَعْنى ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾ أيْ دُهُورًا مُتَتابِعَةً يَتْبَعُ بَعْضُها بَعْضًا، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا أبْرَحُ حَتّى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أوْ أمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكَهْفِ: ٦٠] يَحْتَمِلُ سِنِينَ مُتَتابِعَةً إلى أنْ أبْلُغَ أوْ آنَسَ، واعْلَمْ أنَّ الأحْقابَ واحِدُها حُقْبٌ وهو ثَمانُونَ سَنَةً عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ، والحِقَبُ السُّنُونَ واحِدَتُها حِقْبَةٌ، وهي زَمانٌ مِنَ الدَّهْرِ لا وقْتَ لَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنِ المُفَسِّرِينَ فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: قالَ عَطاءٌ والكَلْبِيُّ ومُقاتِلٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: (أحْقابًا) الحُقْبُ الواحِدُ بِضْعٌ وثَمانُونَ سَنَةً، والسَّنَةُ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْمًا، واليَوْمُ ألْفُ سَنَةٍ مِن أيّامِ الدُّنْيا، ونَحْوَ هَذا رَوى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا.
وثانِيها: سَألَ هِلالٌ الهَجَرِيُّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: الحُقْبُ مِائَةُ سَنَةٍ، والسَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، والشَّهْرُ ثَلاثُونَ يَوْمًا، واليَوْمُ ألْفُ سَنَةٍ.
وثالِثُها: قالَ الحَسَنُ: الأحْقابُ لا يَدْرِي أحَدٌ ما هِيَ، ولَكِنَّ الحُقْبَ الواحِدَ سَبْعُونَ ألْفَ سَنَةٍ، اليَوْمُ مِنها كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ.
(فَإنْ قِيلَ) قَوْلُهُ: أحْقابًا وإنْ طالَتْ إلّا أنَّها مُتَناهِيَةٌ، وعَذابُ أهْلِ النّارِ غَيْرُ مُتَناهٍ، بَلْ لَوْ قالَ: لابِثِينَ فِيها الأحْقابَ لَمْ يَكُنْ هَذا السُّؤالُ وارِدًا، ونَظِيرُ هَذا السُّؤالِ قَوْلُهُ في أهْلِ القِبْلَةِ: ﴿إلّا ما شاءَ رَبُّكَ﴾ [ هُودٍ: ١٠٧] قُلْنا: الجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ لَفْظَ الأحْقابِ لا يَدُلُّ عَلى مُضِيِّ حُقْبٍ لَهُ نِهايَةٌ، وإنَّما الحُقْبُ الواحِدُ مُتَناهٍ، والمَعْنى أنَّهم يَلْبَثُونَ فِيها أحْقابًا كُلَّما مَضى حُقْبٌ تَبِعَهُ حُقْبٌ آخَرُ، وهَكَذا إلى الأبَدِ.
والثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى أنَّهم يَلْبَثُونَ فِيها أحْقابًا لا يَذُوقُونَ في الأحْقابِ بَرْدًا ولا شَرابًا، فَهَذِهِ الأحْقابُ تَوْقِيتٌ لِنَوْعٍ مِنَ العَذابِ، وهو أنْ لا يَذُوقُوا بَرْدًا ولا شَرابًا إلّا حَمِيمًا وغَسّاقًا، ثُمَّ يُبَدَّلُونَ بَعْدَ الأحْقابِ عَنِ الحَمِيمِ والغَسّاقِ مِن جِنْسٍ آخَرَ مِنَ العَذابِ.
وثالِثُها: هَبْ أنَّ قَوْلَهُ: (أحْقابًا) يُفِيدُ التَّناهِيَ، لَكِنَّ دَلالَةَ هَذا عَلى الخُرُوجِ دَلالَةُ المَفْهُومِ، والمَنطُوقُ دَلَّ عَلى أنَّهم لا يَخْرُجُونَ، قالَ تَعالى: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وما هم بِخارِجِينَ مِنها ولَهم عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائِدَةِ: ٣٧] (p-١٤)ولا شَكَّ أنَّ المَنطُوقَ راجِحٌ، وذَكَرَ صاحِبُ الكَشّافِ في الآيَةِ وجْهًا آخَرَ، وهو أنْ يَكُونَ أحْقابًا مِن حَقِبَ عامُنا إذا قَلَّ مَطَرُهُ وخَيْرُهُ، وحَقِبَ فُلانٌ إذا أخْطَأهُ الرِّزْقُ فَهو حَقِبٌ وجَمْعُهُ أحْقابٌ. فَيَنْتَصِبُ حالًا عَنْهم بِمَعْنى لابِثِينَ فِيها حَقِبِينَ مُجْدِبِينَ، وقَوْلُهُ: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا ولا شَرابًا﴾ تَفْسِيرٌ لَهُ.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["لِّلطَّـٰغِینَ مَـَٔابࣰا","لَّـٰبِثِینَ فِیهَاۤ أَحۡقَابࣰا"],"ayah":"لِّلطَّـٰغِینَ مَـَٔابࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











