الباحث القرآني
وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أبْوابًا﴾ .
قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: (فُتِحَتِ) خَفِيفَةً والباقُونَ بِالتَّثْقِيلِ والمَعْنى: كَثُرَتْ أبْوابُها المُفَتَّحَةُ لِنُزُولِ المَلائِكَةِ، قالَ القاضِي: وهَذا الفَتْحُ هو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ [الِانْشِقاقِ: ١]، ﴿إذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الِانْفِطارِ: ١] إذِ الفَتْحُ والتَّشَقُّقُ والتَّفَطُّرُ تَتَقارَبُ، وأقُولُ: هَذا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأنَّ المَفْهُومَ مِن فَتْحِ البابِ غَيْرُ المَفْهُومِ مِنَ التَّشَقُّقِ والتَّفَطُّرِ، فَرُبَّما كانَتِ السَّماءُ أبْوابًا، ثُمَّ تُفَتَّحُ تِلْكَ الأبْوابُ مَعَ أنَّهُ لا يَحْصُلُ في جِرْمِ السَّماءِ تَشَقُّقٌ ولا تَفَطُّرٌ، بَلِ الدَّلائِلُ السَّمْعِيَّةُ دَلَّتْ عَلى أنَّ عِنْدَ حُصُولِ فَتْحِ هَذِهِ الأبْوابِ يَحْصُلُ التَّشَقُّقُ والتَّفَطُّرُ والفَناءُ بِالكُلِّيَّةِ، فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿وفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أبْوابًا﴾ يُفِيدُ أنَّ السَّماءَ بِكُلِّيَّتِها تَصِيرُ أبْوابًا، فَكَيْفَ يُعْقَلُ ذَلِكَ؟ قُلْنا: فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ تِلْكَ الأبْوابَ لَمّا كَثُرَتْ جِدًّا صارَتْ كَأنَّها لَيْسَتْ إلّا أبْوابًا مُفَتَّحَةً كَقَوْلِهِ: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ [القَمَرِ: ١٢] أيْ كَأنَّ كُلَّها صارَتْ عُيُونًا تَتَفَجَّرُ.
وثانِيها: قالَ الواحِدِيُّ: هَذا مِن بابِ تَقْدِيرِ حَذْفِ المُضافِ، والتَّقْدِيرُ: فَكانَتْ ذاتَ أبْوابٍ.
وثالِثُها: أنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ: ﴿فَكانَتْ أبْوابًا﴾ عائِدٌ إلى مُضْمَرٍ، والتَّقْدِيرُ: فَكانَتْ تِلْكَ المَواضِعُ المَفْتُوحَةُ أبْوابًا لِنُزُولِ المَلائِكَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وجاءَ رَبُّكَ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفَجْرِ: ٢٢] .
ورابِعُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ .
اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ في مَواضِعَ مِن كِتابِهِ أحْوالَ هَذِهِ الجِبالِ عَلى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ، ويُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَها عَلى الوَجْهِ الَّذِي نَقُولُهُ، وهو أنَّ أوَّلَ أحْوالِها الِانْدِكاكُ وهو قَوْلُهُ: ﴿وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقَّةِ: ١٤] .
والحالَةُ الثّانِيَةُ لَها: أنْ تَصِيرَ ﴿كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارِعَةِ: ٥]، وذَكَرَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالفَراشِ المَبْثُوثِ﴾ ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارِعَةِ: ٤، ٥] وقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ﴾ ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ﴾ [المَعارِجِ: ٨، ٩] .
الحالَةُ الثّالِثَةُ: أنْ تَصِيرَ كالهَباءِ وذَلِكَ أنْ تَتَقَطَّعَ وتَتَبَدَّدَ بَعْدَ أنْ كانَتْ كالعِهْنِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿إذا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا﴾ ﴿وبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا﴾ ﴿فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقِعَةِ: ٤-٦] .
(p-١٢)والحالَةُ الرّابِعَةُ: أنْ تُنْسَفَ لِأنَّها مَعَ الأحْوالِ المُتَقَدِّمَةِ قارَّةٌ في مَواضِعِها، والأرْضُ تَحْتَها غَيْرُ بارِزَةٍ، فَتُنْسَفُ عَنْها بِإرْسالِ الرِّياحِ عَلَيْها، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا﴾ [طه: ١٥] .
والحالَةُ الخامِسَةُ: أنَّ الرِّياحَ تَرْفَعُها عَنْ وجْهِ الأرْضِ فَتُطَيِّرُها شُعاعًا في الهَواءِ كَأنَّها غُبارٌ، فَمَن نَظَرَ إلَيْها مِن بُعْدٍ حَسِبَها لِتَكاثُفِها أجْسامًا جامِدَةً، وهي في الحَقِيقَةِ مارَّةٌ إلّا أنَّ مُرُورَها بِسَبَبِ مُرُورِ الرِّياحِ بِها [ صَيَّرَها ] مُنْكَدَّةً مُتَفَتِّتَةً، وهي قَوْلُهُ: ﴿تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النَّمْلِ: ٨٨] ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ تِلْكَ الحَرَكَةَ حَصَلَتْ بِقَهْرِهِ وتَسْخِيرِهِ، فَقالَ: ﴿ويَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبالَ وتَرى الأرْضَ بارِزَةً﴾ [الكَهْفِ: ٤٧] .
الحالَةُ السّادِسَةُ: أنْ تَصِيرَ سَرابًا، بِمَعْنى لا شَيْءَ، فَمَن نَظَرَ إلى مَواضِعِها لَمْ يَجِدْ فِيها شَيْئًا، كَما أنَّ مَن يَرى السَّرابَ مِن بُعْدٍ إذا جاءَ المَوْضِعَ الَّذِي كانَ يَراهُ فِيهِ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا، واللَّهُ أعْلَمُ.
واعْلَمْ أنَّ الأحْوالَ المَذْكُورَةَ إلى هاهُنا هي أحْوالٌ عامَّةٌ، ومِن هاهُنا يَصِفُ أهْوالَ جَهَنَّمَ وأحْوالَها.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَ ٰبࣰا","وَسُیِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا"],"ayah":"وَسُیِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق