الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَلْ يُرِيدُ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿أيَحْسَبُ﴾، فَيَجُوزُ فِيهِ أنْ يَكُونَ أيْضًا اسْتِفْهامًا كَأنَّهُ اسْتَفْهَمَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ اسْتَفْهَمَ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إيجابًا كَأنَّهُ اسْتَفْهَمَ أوَّلًا ثُمَّ أتى بِهَذا الإخْبارِ ثانِيًا.
وقَوْلُهُ: ﴿لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أيْ لِيَدُومَ عَلى فُجُورِهِ فِيما يَسْتَقْبِلُهُ مِنَ الزَّمانِ لا يَنْزِعُ عَنْهُ، وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يُقَدِّمُ الذَّنْبَ ويُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ، يَقُولُ: سَوْفَ أتُوبُ، حَتّى يَأْتِيَهُ المَوْتُ عَلى شَرِّ أحْوالِهِ وأسْوَأِ أعْمالِهِ.
القَوْلُ الثّانِي: ﴿لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ أيْ: لِيَكْذِبَ بِما أمامَهُ مِنَ البَعْثِ والحِسابِ، لِأنَّ مَن كَذَّبَ حَقًّا كانَ كاذِبًا وفاجِرًا (p-١٩٣)والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿يَسْألُ أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ﴾ فالمَعْنى: ﴿يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ أيْ: لِيُكَذِّبَ بِيَوْمِ القِيامَةِ وهو أمامَهُ، فَهو يَسْألُ أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ، مَتى يَكُونُ ذَلِكَ تَكْذِيبًا لَهُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَسْألُ أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ﴾ أيْ: يَسْألُ سُؤالَ مُسْتَنْعِتٍ مُسْتَبْعِدٍ لِقِيامِ السّاعَةِ في قَوْلِهِ: ﴿أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ﴾، ونَظِيرُهُ ﴿يَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ واعْلَمْ أنَّ إنْكارَ البَعْثِ تارَةً يَتَوَلَّدُ مِنَ الشُّبْهَةِ وأُخْرى مِنَ الشَّهْوَةِ. أمّا مِنَ الشُّبْهَةِ فَهو الَّذِي حَكاهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ ألَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ﴾ وتَقْرِيرُهُ: أنَّ الإنْسانَ هو هَذا البَدَنُ، فَإذا ماتَ تَفَرَّقَتْ أجْزاءُ البَدَنِ واخْتَلَطَتْ تِلْكَ الأجْزاءُ بِسائِرِ أجْزاءِ التُّرابِ وتَفَرَّقَتْ في مَشارِقِ الأرْضِ ومَغارِبِها، فَكانَ تَمْيِيزُها بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِها مُحالًا، فَكانَ البَعْثُ مُحالًا. واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ ساقِطَةٌ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: لا نُسَلِّمُ أنَّ الإنْسانَ هو هَذا البَدَنُ فَلِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ شَيْءٌ مُدَبِّرٌ لِهَذا البَدَنِ، فَإذا فَسَدَ هَذا البَدَنُ بَقِيَ هو حَيًّا كَما كانَ. وحِينَئِذٍ يَكُونُ اللَّهُ تَعالى قادِرًا عَلى أنْ يَرُدَّهُ إلى أيِّ بَدَنٍ شاءَ وأرادَ، وعَلى هَذا القَوْلِ يَسْقُطُ السُّؤالُ، وفي الآيَةِ إشارَةٌ إلى هَذا لِأنَّهُ أقْسَمَ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ ألَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ﴾ وهو تَصْرِيحٌ بِالفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ والبَدَنِ.
الثّانِي: إنْ سَلَّمْنا أنَّ الإنْسانَ هو هَذا البَدَنُ فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّهُ بَعْدَ تَفْرِيقِ أجْزائِهِ لا يُمْكِنُ جَمْعُهُ مَرَّةً أُخْرى، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِجَمِيعِ الجُزْئِيّاتِ فَيَكُونُ عالِمًا بِالجُزْءِ الَّذِي هو بَدَنُ عَمْرٍو، وهو تَعالى قادِرٌ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ وذَلِكَ التَّرْكِيبُ مِنَ المُمْكِناتِ، وإلّا لَما وُجِدَ أوَّلًا، فَيَلْزَمُ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى تَرْكِيبِها. ومَتى ثَبَتَ كَوْنُهُ تَعالى عالِمًا بِجَمِيعِ الجُزْئِيّاتِ قادِرًا عَلى جَمِيعِ المُمْكِناتِ لا يَبْقى في المَسْألَةِ إشْكالٌ.
وأمّا القِسْمُ الثّانِي: وهو إنْكارُ مَن أنْكَرَ المَعادَ بِناءً عَلى الشَّهْوَةِ فَهو الَّذِي حَكاهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ ومَعْناهُ أنَّ الإنْسانَ الَّذِي يَمِيلُ طَبْعُهُ إلى الِاسْتِرْسالِ في الشَّهَواتِ والِاسْتِكْثارِ مِنَ اللَّذّاتِ لا يَكادُ يُقِرُّ بِالحَشْرِ والنَّشْرِ وبَعْثِ الأمْواتِ لِئَلّا تَتَنَغَّصَ عَلَيْهِ اللَّذّاتُ الجُسْمانِيَّةُ، فَيَكُونُ أبَدًا مُنْكِرًا لِذَلِكَ قائِلًا عَلى سَبِيلِ الهُزُؤِ والسُّخْرِيَةِ ﴿أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ﴾ .
{"ayahs_start":5,"ayahs":["بَلۡ یُرِیدُ ٱلۡإِنسَـٰنُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ","یَسۡـَٔلُ أَیَّانَ یَوۡمُ ٱلۡقِیَـٰمَةِ"],"ayah":"بَلۡ یُرِیدُ ٱلۡإِنسَـٰنُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق