ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿بَلْ لا يَخافُونَ الآخِرَةَ﴾ فَلِذَلِكَ أعْرَضُوا عَنِ التَّأمُّلِ، فَإنَّهُ لَمّا حَصَلَتِ المُعْجِزاتُ الكَثِيرَةُ، كَفَتْ في الدَّلالَةِ عَلى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ، فَطَلَبُ الزِّيادَةِ يَكُونُ مِن بابِ التَّعَنُّتِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿كَلّا﴾ وهو رَدْعٌ لَهم عَنْ إعْراضِهِمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ يَعْنِي تَذْكِرَةٌ بَلِيغَةٌ كافِيَةٌ ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ أيْ جَعَلَهُ نُصْبَ عَيْنِهِ، فَإنَّ نَفْعَ ذَلِكَ راجِعٌ إلَيْهِ، والضَّمِيرُ في ”أنَّهُ“ و”ذَكَرَهُ“ لِلتَّذْكِرَةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَما لَهم عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ [ المُدَّثِّرِ: ٤٩] وإنَّما ذُكِّرَتْ لِأنَّها في مَعْنى الذِّكْرِ أوِ القُرْآنِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما يَذْكُرُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾
قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: يَعْنِي إلّا أنْ يَقْسِرَهم عَلى الذِّكْرِ ويُلْجِئَهم إلَيْهِ. والجَوابُ: أنَّهُ تَعالى نَفى الذِّكْرَ (p-١٨٨)مُطْلَقًا، واسْتَثْنى عَنْهُ حالَ المَشِيئَةِ المُطْلَقَةِ، فَيَلْزَمُ أنَّهُ مَتى حَصَلَتِ المَشِيئَةُ أنْ يَحْصُلَ الذِّكْرُ فَحَيْثُ لَمْ يَحْصُلِ الذِّكْرُ عَلِمْنا أنَّهُ لَمْ تَحْصُلِ المَشِيئَةُ، وتَخْصِيصُ المَشِيئَةِ بِالمَشِيئَةِ القَهْرِيَّةِ تَرْكٌ لِلظّاهِرِ، وقُرِئَ ”يَذْكُرُونَ“ [ و”تَذْكُرُونَ“ ] بِالياءِ والتّاءِ مُخَفَّفًا ومُشَدَّدًا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿هُوَ أهْلُ التَّقْوى وأهْلُ المَغْفِرَةِ﴾ أيْ: هو حَقِيقٌ بِأنْ يَتَّقِيَهُ عِبادُهُ ويَخافُوا عِقابَهُ فَيُؤْمِنُوا ويُطِيعُوا، وحَقِيقٌ بِأنْ يَغْفِرَ لَهم ما سَلَفَ مِن كُفْرِهِمْ إذا آمَنُوا وأطاعُوا، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ. والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ وصَلاتُهُ وسَلامُهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
{"ayahs_start":53,"ayahs":["كَلَّاۖ بَل لَّا یَخَافُونَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ","كَلَّاۤ إِنَّهُۥ تَذۡكِرَةࣱ","فَمَن شَاۤءَ ذَكَرَهُۥ","وَمَا یَذۡكُرُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ"],"ayah":"كَلَّاۤ إِنَّهُۥ تَذۡكِرَةࣱ"}