الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والصُّبْحِ إذا أسْفَرَ﴾ أيْ أضاءَ، وفي الحَدِيثِ: ”«أسْفِرُوا بِالفَجْرِ» “ ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ [ عَبَسَ: ٣٨] أيْ مُضِيئَةٌ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّها لَإحْدى الكُبَرِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: هَذا الكَلامُ هو جَوابُ القَسَمِ أوْ تَعْلِيلٌ لِكَلامٍ، والقَسَمُ مُعْتَرَضٌ لِلتَّوْكِيدِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الواحِدِيُّ: ألِفُ إحْدى مَقْطُوعٌ ولا تَذْهَبُ في الوَصْلِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنَّهُ قَرَأ إنَّها ”لَحْدى الكُبَرِ“ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ كَما يُقالُ: ويْلُمِّهِ، ولَيْسَ هَذا الحَذْفُ بِقِياسٍ، والقِياسُ التَّخْفِيفُ، وهو أنْ يُجْعَلَ بَيْنَ بَيْنَ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: الكُبَرُ جَمْعُ الكُبْرى، جُعِلَتْ ألِفُ التَّأْنِيثِ كَتاءِ التَّأْنِيثِ، فَكَما جُمِعَتْ فُعْلَةٌ عَلى فُعَلٍ جُمِعَتْ فُعْلى عَلَيْها، ونَظِيرُ ذَلِكَ السَّوافِي جَمْعُ السّافِياءِ وهو التُّرابُ الَّذِي سَفَتْهُ الرِّيحُ، والقَواصِعُ في جَمْعِ القاصِعاءِ كَأنَّهُما جَمْعُ فاعِلَةٍ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ﴿إنَّها لَإحْدى الكُبَرِ﴾ يَعْنِي أنَّ سَقَرَ الَّتِي جَرى ذِكْرُها لَإحْدى الكُبَرِ، والمُرادُ مِنَ الكُبَرِ دَرَكاتُ جَهَنَّمَ، وهي سَبْعَةٌ: جَهَنَّمُ، ولَظى، والحُطَمَةُ، والسَّعِيرُ، وسَقَرُ، والجَحِيمُ، والهاوِيَةُ، أعاذَنا اللَّهُ مِنها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ ”نَذِيرًا“ تَمْيِيزٌ مِن ”إحْدى“ عَلى مَعْنى أنَّها لَإحْدى الدَّواهِي إنْذارًا كَما تَقُولُ: هي إحْدى النِّساءِ عَفافًا، وقِيلَ: هو حالٌ، وفي قِراءَةِ أُبَيٍّ ”نَذِيرٌ“ بِالرَّفْعِ خَبَرٌ، أوْ بِحَذْفِ المُبْتَدَأِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأخَّرَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: في تَفْسِيرِ الآيَةِ وجْهانِ: الأوَّلُ: ﴿أنْ يَتَقَدَّمَ﴾ في مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِالِابْتِداءِ، و﴿لِمَن شاءَ﴾ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَقَوْلِكَ لِمَن تَوَضَّأ أنْ يُصَلِّيَ، ومَعْناهُ التَّقَدُّمُ والتَّأخُّرُ مُطْلَقانِ لِمَن شاءَهُما مِنكم، والمُرادُ بِالتَّقَدُّمِ والتَّأخُّرِ السَّبْقُ إلى الخَيْرِ والتَّخَلُّفُ عَنْهُ، وهو في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [ الكَهْفِ: ٢٩] . الثّانِي: ﴿لِمَن شاءَ﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ ﴿لِلْبَشَرِ﴾، والتَّقْدِيرُ: إنَّها نَذِيرٌ لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأخَّرَ، نَظِيرُهُ ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ٩٧] . المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى كَوْنِ العَبْدِ مُتَمَكِّنًا مِنَ الفِعْلِ غَيْرَ مَجْبُورٍ عَلَيْهِ. وجَوابُهُ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَلَّتْ عَلى أنَّ فِعْلَ العَبْدِ مُعَلَّقٌ عَلى مَشِيئَتِهِ، لَكِنَّ مَشِيئَةَ العَبْدِ مُعَلَّقَةٌ عَلى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى لِقَوْلِهِ: (p-١٨٥)﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [ الإنْسانِ: ٣٠] وحِينَئِذٍ تَصِيرُ هَذِهِ الآيَةُ حُجَّةً لَنا عَلَيْهِمْ، وذَكَرَ الأصْحابُ عَنْ وجْهِ الِاسْتِدْلالِ بِهَذِهِ الآيَةِ جَوابَيْنِ آخَرَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ مَعْنى إضافَةِ المَشِيئَةِ إلى المُخاطَبِينَ التَّهْدِيدُ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ . الثّانِي: أنَّ هَذِهِ المَشِيئَةَ لِلَّهِ تَعالى عَلى مَعْنى لِمَن شاءَ اللَّهُ مِنكم أنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأخَّرَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب