الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ: ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ والمَعْنى أنَّ هَذا قَوْلُ البَشَرِ، يُنْسَبُ ذَلِكَ إلى أنَّهُ مُلْتَقَطٌ مِن كَلامِ غَيْرِهِ، ولَوْ كانَ الأمْرُ كَما قالَ لَتَمَكَّنُوا مِن مُعارَضَتِهِ، إذْ طَرِيقَتُهم في مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ مُتَقارِبَةٌ. واعْلَمْ أنَّ هَذا الكَلامَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الوَلِيدَ إنَّما كانَ يَقُولُ هَذا الكَلامَ عِنادًا مِنهُ، لِأنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ «أنَّهُ لَمّا سَمِعَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ”حم السَّجْدَةَ“ وخَرَجَ مِن عِنْدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ: سَمِعْتُ مِن مُحَمَّدٍ كَلامًا لَيْسَ مِن كَلامِ الإنْسِ ولا مِن كَلامِ الجِنِّ، وإنَّ لَهُ لَحَلاوَةً وإنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً وأنَّهُ يَعْلُو ولا يُعْلى عَلَيْهِ»، فَلَمّا أقَرَّ بِذَلِكَ في أوَّلِ الأمْرِ عَلِمْنا أنَّ الَّذِي قالَهُ هَهُنا مِن أنَّهُ قَوْلُ البَشَرِ - إنَّما ذَكَرَهُ عَلى سَبِيلِ العِنادِ والتَّمَرُّدِ لا عَلى سَبِيلِ الِاعْتِقادِ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿سَقَرَ﴾ اسْمٌ لِلطَّبَقَةِ السّادِسَةِ مِن جَهَنَّمَ، ولِذَلِكَ لا يَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ والتَّأْنِيثِ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿وما أدْراكَ ما سَقَرُ﴾ والغَرَضُ التَّهْوِيلُ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿لا تُبْقِي ولا تَذَرُ﴾ واخْتَلَفُوا فَمِنهم مَن قالَ: هُما لَفْظانِ مُتَرادِفانِ مَعْناهُما واحِدٌ، والغَرَضُ مِنَ التَّكْرِيرِ التَّأْكِيدُ والمُبالَغَةُ؛ كَما يُقالُ: صَدَّ عَنِّي وأعْرَضَ عَنِّي. ومِنهم مَن قالَ: لا بُدَّ مِنَ الفَرْقِ، ثُمَّ ذَكَرُوا وُجُوهًا: أحَدُها: أنَّها لا تُبْقِي مِنَ الدَّمِ واللَّحْمِ والعَظْمِ شَيْئًا، فَإذا أُعِيدُوا خَلْقًا جَدِيدًا ﴿ولا تَذَرُ﴾ أنْ تُعاوِدَ إحْراقَهم بِأشَدَّ مِمّا كانَتْ، وهَكَذا أبَدًا، وهَذا رِوايَةُ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وثانِيها: لا تُبْقِي أحَدًا مِنَ المُسْتَحِقِّينَ لِلْعَذابِ إلّا عَذَّبَتْهم، ثُمَّ لا تَذَرُ مِن أبْدانِ أُولَئِكَ المُعَذَّبِينَ شَيْئًا إلّا أحْرَقَتْهُ. وثالِثُها: لا تُبْقِي مِن أبْدانِ المُعَذَّبِينَ شَيْئًا، ثُمَّ إنَّ تِلْكَ النِّيرانَ لا تَذَرُ مِن قُوَّتِها وشِدَّتِها شَيْئًا إلّا وتَسْتَعْمِلُ تِلْكَ القُوَّةَ والشِّدَّةَ في تَعْذِيبِهِمْ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: في اللَّوّاحَةِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: قالَ اللَّيْثُ: لاحَهُ العَطَشُ ولَوَّحَهُ إذا غَيَّرَهُ، فاللَّوّاحَةُ هي المُغَيِّرَةُ. قالَ الفَرّاءُ: تُسَوِّدُ البَشَرَةَ بِإحْراقِها. والقَوْلُ الثّانِي: وهو قَوْلُ الحَسَنِ والأصَمِّ: أنَّ مَعْنى اللَّوّاحَةِ أنَّها تَلُوحُ لِلْبَشَرِ مِن مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عامٍ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرى﴾ [ النّازِعاتِ: ٣٦] ولَوّاحَةٌ عَلى هَذا القَوْلِ: مِن لاحَ الشَّيْءُ يَلُوحُ إذا لَمَعَ نَحْوَ البَرْقِ، وطَعَنَ القائِلُونَ بِهَذا الوَجْهِ في الوَجْهِ الأوَّلِ، وقالُوا: إنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَصِفَها بِتَسْوِيدِ البَشَرَةِ مَعَ قَوْلِهِ إنَّها: ﴿لا تُبْقِي ولا تَذَرُ﴾ المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قُرِئَ: ”لَوّاحَةً“ نَصْبًا عَلى الِاخْتِصاصِ لِلتَّهْوِيلِ. (p-١٧٩)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب