الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا قَلِيلًا﴾ ﴿نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا﴾ ﴿أوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ النّاسَ قَدْ أكْثَرُوا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ وعِنْدِي فِيهِ وجْهانِ مُلَخَّصانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿إلّا قَلِيلًا﴾ الثُّلُثُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ﴾ فَهَذِهِ الآيَةُ دَلَّتْ عَلى أنَّ أكْثَرَ المَقادِيرِ الواجِبَةِ الثُّلْثانِ، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ نَوْمَ الثُّلُثِ جائِزٌ، وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ في قَوْلِهِ: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلّا قَلِيلًا﴾ هو الثُّلُثُ، فَإذًا قَوْلُهُ: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلّا قَلِيلًا﴾ (p-١٥٣)مَعْناهُ قُمْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ ثُمَّ قالَ: ﴿نِصْفَهُ﴾ والمَعْنى أوْ قُمْ نِصْفَهُ، كَما تَقُولُ: جالِسِ الحَسَنَ أوِ ابْنَ سِيرِينَ، أيْ جالِسْ ذا أوْ ذا أيُّهُما شِئْتَ، فَتَحْذِفُ واوَ العَطْفِ، فَتَقْدِيرُ الآيَةِ: قُمِ الثُّلُثَيْنِ أوْ قُمِ النِّصْفَ أوِ انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ أوْ زِدْ عَلَيْهِ، فَعَلى هَذا يَكُونُ الثُّلُثانِ أقْصى الزِّيادَةِ، ويَكُونُ الثُّلُثُ أقْصى النُّقْصانِ، فَيَكُونُ الواجِبُ هو الثُّلُثُ، والزّائِدُ عَلَيْهِ يَكُونُ مَندُوبًا، فَإنْ قِيلَ: فَعَلى هَذا التَّأْوِيلِ يَلْزَمُكم أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ تَرَكَ الواجِبَ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ﴾ فَمَن قَرَأ (نِصْفِهِ وثُلُثِهِ) بِالخَفْضِ كانَ المَعْنى أنَّكَ تَقُومُ أقَلَّ مِنَ الثُّلُثَيْنِ، وأقَلَّ مِنَ النِّصْفِ، وأقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ، فَإذا كانَ الثُّلُثُ واجِبًا كانَ عَلَيْهِ السَّلامُ تارِكًا لِلْواجِبِ، قُلْنا: إنَّهم كانُوا يُقَدِّرُونَ الثُّلُثَ بِالِاجْتِهادِ، فَرُبَّما أخْطَأُوا في ذَلِكَ الِاجْتِهادِ ونَقَصُوا مِنهُ شَيْئًا قَلِيلًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ أدْنى مِن ثُلُثِ اللَّيْلِ المَعْلُومِ بِتَحْدِيدِ الأجْزاءِ عِنْدَ اللَّهِ، ولِذَلِكَ قالَ تَعالى لَهم: ﴿عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ [ المُزَّمِّلِ: ٢٠] .
الوَجْهُ الثّانِي: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (نِصْفَهُ) تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: (قَلِيلًا) وهَذا التَّفْسِيرُ جائِزٌ لِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ نِصْفَ الشَّيْءِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلى كُلِّهِ.
والثّانِي: أنَّ الواجِبَ إذا كانَ هو النِّصْفَ لَمْ يَخْرُجْ صاحِبُهُ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ إلّا بِزِيادَةِ شَيْءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ في الحَقِيقَةِ نِصْفًا وشَيْئًا، فَيَكُونُ الباقِي بَعْدَ ذَلِكَ أقَلَّ مِنهُ، وإذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلّا قَلِيلًا﴾ مَعْناهُ قُمِ اللَّيْلَ إلّا نَصِفَهُ، فَيَكُونُ الحاصِلُ: قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، ثُمَّ قالَ: ﴿أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا﴾ يَعْنِي أوِ انْقُصْ مِن هَذا النِّصْفِ نِصْفَهُ حَتّى يَبْقى الرُّبُعُ، ثُمَّ قالَ: ﴿أوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي أوْ زِدْ عَلى هَذا النِّصْفِ نِصْفَهُ حَتّى يَصِيرَ المَجْمُوعُ ثَلاثَةَ أرْباعٍ، وحِينَئِذٍ يَرْجِعُ حاصِلُ الآيَةِ إلى أنَّهُ تَعالى خَيَّرَهُ بَيْنَ أنْ يَقُومَ تَمامَ النِّصْفِ، وبَيْنَ أنْ يَقُومَ رُبُعَ اللَّيْلِ، وبَيْنَ أنْ يَقُومَ ثَلاثَةَ أرْباعِهِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الواجِبُ الَّذِي لا بُدَّ مِنهُ هو قِيامُ الرُّبُعِ، والزّائِدُ عَلَيْهِ يَكُونُ مِنَ المَندُوباتِ والنَّوافِلِ، وعَلى هَذا التَّأْوِيلِ يَزُولُ الإشْكالُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ بِالكُلِّيَّةِ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَقُمْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، ولا نِصْفَهُ، ولا ثُلُثَهُ؛ لِأنَّ الواجِبَ لَمّا كانَ هو الرُّبُعُ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْ مِن تَرْكِ قِيامِ الثُّلُثِ تَرْكُ شَيْءٍ مِنَ الواجِباتِ، فَزالَ السُّؤالُ المَذْكُورُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا","نِّصۡفَهُۥۤ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِیلًا"],"ayah":"قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق