الباحث القرآني

النَّوْعُ الثّالِثُ: مِن جُمْلَةِ المُوحى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: التَّقْدِيرُ: قُلْ أُوحِي إلَيَّ أنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ، ومَذْهَبُ الخَلِيلِ أنَّ التَّقْدِيرَ ولِأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا، فَعَلى هَذا اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ، فَلا تَدْعُوا، أيْ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا في المَساجِدِ؛ لِأنَّها لِلَّهِ خاصَّةً، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ [ المُؤْمِنُونَ: ٥٢] عَلى مَعْنى، ولِأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكم أُمَّةً واحِدَةً وأنا رَبُّكم فاعْبُدُونِ، أيْ لِأجْلِ هَذا المَعْنى فاعْبُدُونِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في المَساجِدِ عَلى وُجُوهٍ: أحَدُها: وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ أنَّها المَواضِعُ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلاةِ وذِكْرِ اللَّهِ، ويَدْخُلُ فِيها الكَنائِسُ والبِيَعُ ومَساجِدُ المُسْلِمِينَ، وذَلِكَ أنَّ أهْلَ الكِتابِ يُشْرِكُونَ في صَلاتِهِمْ في البِيَعِ والكَنائِسِ، فَأمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِالإخْلاصِ والتَّوْحِيدِ. وثانِيها: قالَ الحَسَنُ: أرادَ بِالمَساجِدِ البِقاعَ كُلَّها قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا» “ كَأنَّهُ تَعالى قالَ: الأرْضُ كُلُّها مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ (p-١٤٤)تَعالى فَلا تَسْجُدُوا عَلَيْها لِغَيْرِ خالِقِها. وثالِثُها: رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا أنَّهُ قالَ: المَساجِدُ هي الصَّلَواتُ. فالمَساجِدُ عَلى هَذا القَوْلِ جَمْعُ مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الجِيمِ، والمَسْجَدُ عَلى هَذا القَوْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنى السُّجُودِ. ورابِعُها: قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: المَساجِدُ الأعْضاءُ الَّتِي يَسْجُدُ العَبْدُ عَلَيْها وهي سَبْعَةٌ؛ القَدَمانِ والرُّكْبَتانِ واليَدانِ والوَجْهُ، وهَذا القَوْلُ اخْتِيارُ ابْنِ الأنْبارِيِّ، قالَ: لِأنَّ هَذِهِ الأعْضاءَ هي الَّتِي يَقَعُ السُّجُودُ عَلَيْها وهي مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعالى، فَلا يَنْبَغِي أنْ يَسْجُدَ العاقِلُ عَلَيْها لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى، وعَلى هَذا القَوْلِ مَعْنى المَساجِدِ مَواضِعُ السُّجُودِ مِنَ الجَسَدِ واحِدُها مَسْجَدٌ بِفَتْحِ الجِيمِ. وخامِسُها: قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يُرِيدُ بِالمَساجِدِ مَكَّةَ بِجَمِيعِ ما فِيها مِنَ المَساجِدِ، وذَلِكَ لِأنَّ مَكَّةَ قِبْلَةُ الدُّنْيا وكُلُّ أحَدٍ يَسْجُدُ إلَيْها، قالَ الواحِدِيُّ: وواحِدُ المَساجِدِ عَلى الأقْوالِ كُلِّها مَسْجَدٌ بِفَتْحِ الجِيمِ إلّا عَلى قَوْلِ مَن يَقُولُ: إنَّها المَواضِعُ الَّتِي بُنَيَتْ لِلصَّلاةِ فَإنَّ واحِدَها بِكَسْرِ الجِيمِ لِأنَّ المَواضِعَ والمَصادِرَ كُلَّها مِن هَذا البابِ بِفَتْحِ العَيْنِ إلّا في أحْرُفٍ مَعْدُودَةٍ وهي: المَسْجِدُ والمَطْلِعُ والمَنسِكُ والمَسْكِنُ والمَنبِتُ والمَفْرِقُ والمَسْقِطُ والمَجْزِرُ والمَحْشِرُ والمَشْرِقُ والمَغْرِبُ، وقَدْ جاءَ في بَعْضِها الفَتْحُ وهو المَنسَكُ والمَسْكَنُ والمَفْرَقُ والمَطْلَعُ، وهو جائِزٌ في كُلِّها وإنْ لَمْ يُسْمَعْ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ الحَسَنُ: مِنَ السُّنَّةِ إذا دَخَلَ الرَّجُلُ المَسْجِدَ أنْ يَقُولَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ في ضِمْنِهِ أمْرٌ بِذِكْرِ اللَّهِ وبِدُعائِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب