الباحث القرآني

النَّوْعُ العاشِرُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ ومِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ . أيْ مِنّا الصّالِحُونَ المُتَّقُونَ أيْ ومِنّا قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ فَحُذِفَ المَوْصُوفُ كَقَوْلِهِ: ﴿وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصّافّاتِ: ١٦٤] ثُمَّ المُرادُ بِالَّذِينِ هم دُونَ الصّالِحِينَ مَن ؟ فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّهُمُ المُقْتَصِدُونَ الَّذِينَ يَكُونُونَ في الصَّلاحِ غَيْرَ كامِلَيْنِ. والثّانِي: أنَّ المُرادَ مَن لا يَكُونُ كامِلًا في الصَّلاحِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ المُقْتَصِدُونَ والكافِرُونَ، والقِدَةُ مِن قَدَدَ، كالقِطْعَةِ مِن قَطَعَ. ووُصِفَتِ الطَّرائِقُ بِالقِدَدِ لِدَلالَتِها عَلى مَعْنى التَّقَطُّعِ والتَّفَرُّقِ، وفي تَفْسِيرِ الآيَةِ وُجُوهٌ: أحَدُها: المُرادُ كُنّا ذَوِي ﴿طَرائِقَ قِدَدًا﴾ أيْ ذَوِي مَذاهِبَ مُخْتَلِفَةٍ. قالَ السُّدِّيُّ: (p-١٤١)الجِنُّ أمْثالُكم، فِيهِمْ مُرْجِئَةٌ وقَدَرِيَّةٌ ورَوافِضُ وخَوارِجُ. وثانِيها: كُنّا في اخْتِلافِ أحْوالِنا مِثْلَ الطَّرائِقِ المُخْتَلِفَةِ. وثالِثُها: كانَتْ طَرائِقُنا طَرائِقَ قِدَدٍ عَلى حَذْفِ المُضافِ الَّذِي هو الطَّرائِقُ، وإقامَةِ الضَّمِيرِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ. النَّوْعُ الحادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ في الأرْضِ ولَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ الظَّنُّ، بِمَعْنى اليَقِينِ، و﴿فِي الأرْضِ﴾ و(هَرَبًا) فِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّهُما حالانِ، أيْ لَنْ نُعْجِزَهُ كائِنِينَ في الأرْضِ أيْنَما كُنّا فِيها، ولَنْ نُعْجِزَهُ هارِبِينَ مِنها إلى السَّماءِ. والثّانِي: لَنْ نُعْجِزَهُ في الأرْضِ إنْ أرادَ بِنا أمْرًا، ولَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا إنْ طَلَبَنا. النَّوْعُ الثّانِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا﴾ ﴿لَمّا سَمِعْنا الهُدى﴾ أيِ القُرْآنُ، قالَ تَعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البَقَرَةِ: ٢] (آمَنّا بِهِ) [القَصَصِ: ٥٣] أيْ آمَنّا بِالقُرْآنِ ﴿فَلا يَخافُ﴾ فَهو لا يَخافُ، أيْ فَهو غَيْرُ خائِفٍ، وعَلى هَذا يَكُونُ الكَلامُ في تَقْدِيرِ جُمْلَةٍ مِنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ، أُدْخِلَ عَلَيْها لِتَصِيرَ جَزاءً لِلشَّرْطِ الَّذِي تَقَدَّمُها، ولَوْلا ذاكَ لِقِيلَ لا يَخَفْ، فَإنْ قِيلَ أيُّ فائِدَةٍ في رَفْعِ الفِعْلِ، وتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ قَبْلَهُ حَتّى يَقَعَ خَبَرًا لَهُ ووُجُوبِ إدْخالِ الفاءِ، وكانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِأنْ لا يُقالَ: لا يَخَفْ ؟ قُلْنا: الفائِدَةُ فِيهِ أنَّهُ إذا فَعَلَ ذَلِكَ، فَكَأنَّهُ قِيلَ فَهو لا يَخافُ، فَكانَ دالًّا عَلى تَحْقِيقِ أنَّ المُؤْمِنَ ناجٍ لا مَحالَةَ، وأنَّهُ هو المُخْتَصُّ لِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، لِأنَّ قَوْلَهُ فَهو لا يَخافُ مَعْناهُ أنَّ غَيْرَهُ يَكُونُ خائِفًا، وقَرَأ الأعْمَشُ: فَلا يَخَفْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَخْسًا ولا رَهَقًا﴾ البَخْسُ النَّقْصُ، والرَّهَقُ الظُّلْمُ، ثُمَّ فِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: لا يَخافُ جَزاءَ بَخْسٍ ولا رَهَقٍ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَبْخَسْ أحَدًا حَقًّا، ولا ظَلَمَ أحَدًا، فَلا يَخافُ جَزاءَهُما. الثّانِي: لا يَخافُ أنْ يُبْخَسَ، بَلْ يَقْطَعُ بِأنَّهُ يُجْزى الجَزاءَ الأوْفى، ولا يَخافُ أنْ تُرْهِقَهُ ذِلَّةٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ﴾ . [يُونُسَ: ٢٧]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب