الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهارًا﴾ ﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلّا فِرارًا﴾ . اعْلَمْ أنَّ هَذا مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أنَّ جَمِيعَ الحَوادِثِ بِقَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِهِ، وذَلِكَ لِأنّا نَرى إنْسانَيْنِ يَسْمَعانِ دَعْوَةَ الرَّسُولِ في مَجْلِسٍ واحِدٍ بِلَفْظٍ واحِدٍ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ الكَلامُ في حَقِّ أحَدِهِما سَبَبًا لِحُصُولِ الهِدايَةِ، والمَيْلِ والرَّغْبَةِ، وفي حَقِّ الثّانِي سَبَبًا لِمَزِيدِ العُتُوِّ والتَّكَبُّرِ، ونِهايَةِ النَّفْرَةِ، ولَيْسَ لِأحَدٍ أنْ يَقُولَ: إنَّ تِلْكَ النَّفْرَةَ والرَّغْبَةَ حَصَلَتا بِاخْتِيارِ المُكَلَّفِ، فَإنَّ هَذا مُكابَرَةٌ في المَحْسُوسِ، فَإنَّ صاحِبَ النَّفْرَةِ يَجِدُ قَلْبَهُ كالمُضْطَرِّ إلى تِلْكَ النَّفْرَةِ، وصاحِبُ الرَّغْبَةِ يَجِدُ قَلْبَهُ كالمُضْطَرِّ إلى تِلْكَ الرَّغْبَةِ، ومَتى حَصَلَتْ تِلْكَ النَّفْرَةُ وجَبَ أنْ يَحْصُلَ عَقِيبَهُ التَّمَرُّدُ والإعْراضُ، وإنْ حَصَلَتِ الرَّغْبَةُ وجَبَ أنْ يَحْصُلَ عَقِيبَهُ الِانْقِيادُ والطّاعَةُ، فَعَلِمْنا أنَّ إفْضاءَ سَماعِ تِلْكَ الدَّعْوَةِ في حَقِّ أحَدِهِما إلى الرَّغْبَةِ المُسْتَلْزِمَةِ لِحُصُولِ الطّاعَةِ والِانْقِيادِ، وفي حَقِّ الثّانِي إلى النَّفْرَةِ المُسْتَلْزِمَةِ لِحُصُولِ التَّمَرُّدِ والعِصْيانِ لا يَكُونُ إلّا بِقَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِهِ، فَإنْ قِيلَ: هَبْ أنَّ حُصُولَ النَّفْرَةِ والرَّغْبَةِ لَيْسَ بِاخْتِيارِهِ، لَكِنْ حُصُولُ العِصْيانِ عِنْدَ النَّفْرَةِ يَكُونُ بِاخْتِيارِهِ، فَإنَّ العَبْدَ مُتَمَكِّنٌ مَعَ تِلْكَ النَّفْرَةِ أنْ يَنْقادَ ويُطِيعَ، قُلْنا: إنَّهُ لَوْ حَصَلَتِ النَّفْرَةُ غَيْرَ مُعارَضَةٍ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ الرَّغْبَةِ بَلْ خالِصَةً عَنْ جَمِيعِ (p-١٢١)شَوائِبِ الرَّغْبَةِ امْتَنَعَ أنْ يَحْصُلَ مَعَهُ الفِعْلُ، وذَلِكَ لِأنَّهُ عِنْدَما تَحْصُلُ النَّفْرَةُ والرَّغْبَةُ لَمْ يَحْصُلِ الفِعْلُ البَتَّةَ، فَعِنْدَ حُصُولِ النَّفْرَةِ انْضَمَّ إلى عَدَمِ المُقْتَضِي وُجُودُ المانِعِ، فَبِأنْ يَصِيرَ الفِعْلُ مُمْتَنِعًا أوْلى، فَثَبَتَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى القَضاءِ والقَدَرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب