الباحث القرآني
(p-١١٩)(سُورَةُ نُوحٍ)
عِشْرُونَ وثَمانِ آياتٍ مَكِّيَّةٍ
﷽
﴿إنّا أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿قالَ يا قَوْمِ إنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وأطِيعُونِ﴾ ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكم ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسَمًّى إنَّ أجَلَ اللَّهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ .
﷽
﴿إنّا أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ﴾ في قَوْلِهِ ”أنْ“ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أصْلُهُ بِأنْ أنْذِرْ فَحُذِفَ الجارُّ وأُوصِلَ الفِعْلُ، والمَعْنى أرْسَلْناهُ بِأنْ قُلْنا لَهُ: أنْذِرْ أيْ أرْسَلْناهُ بِالأمْرِ بِالإنْدارِ.
الثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً، والتَّقْدِيرُ: إنّا أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أيْ أنْذِرْ قَوْمَكَ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، ”أنْذِرْ“ بِغَيْرِ أنْ عَلى إرادَةِ القَوْلِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي الغَرَقَ بِالطُّوفانِ.
واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أمَرَهُ بِذَلِكَ امْتَثَلَ ذَلِكَ الأمْرَ، و﴿قالَ ياقَوْمِ إنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ .
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وأطِيعُونِ﴾ ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكم ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسَمًّى إنَّ أجَلَ اللَّهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ . أنِ اعْبُدُوا هو نَظِيرُ أنْ أنْذِرْ في الوَجْهَيْنِ، ثُمَّ إنَّهُ أمَرَ القَوْمَ بِثَلاثَةِ أشْياءَ؛ بِعِبادَةِ اللَّهِ وتَقْواهُ وطاعَةِ نَفْسِهِ، فالأمْرُ بِالعِبادَةِ يَتَناوَلُ جَمِيعَ الواجِباتِ والمَندُوباتِ مِن أفْعالِ القُلُوبِ وأفْعالِ الجَوارِحِ، والأمْرُ بِتَقْواهُ يَتَناوَلُ الزَّجْرَ عَنْ جَمِيعِ المَحْظُوراتِ والمَكْرُوهاتِ، وقَوْلُهُ: ﴿وأطِيعُونِ﴾ يَتَناوَلُ أمْرَهم بِطاعَتِهِ وجَمِيعَ المَأْمُوراتِ والمَنهِيّاتِ، وهَذا وإنْ كانَ داخِلًا في الأمْرِ بِعِبادَةِ اللَّهِ وتَقْواهُ، إلّا أنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَأْكِيدًا في ذَلِكَ التَّكْلِيفِ ومُبالَغَةً في تَقْرِيرِهِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا كَلَّفَهم بِهَذِهِ الأشْياءِ الثَّلاثَةِ وعَدَهم عَلَيْها (p-١٢٠)بِشَيْئَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يُزِيلَ مَضارَّ الآخِرَةِ عَنْهم، وهو قَوْلُهُ: ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكُمْ﴾ .
الثّانِي: يُزِيلُ عَنْهم مَضارَّ الدُّنْيا بِقَدْرِ الإمْكانِ، وذَلِكَ بِأنْ يُؤَخِّرَ أجَلَهم إلى أقْصى الإمْكانِ. وهَهُنا سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: ما فائِدَةُ ”مِن“ في قَوْلِهِ: ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكُمْ﴾ ؟ (والجَوابُ) مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّها صِلَةٌ زائِدَةٌ والتَّقْدِيرُ يَغْفِرُ لَكم ذُنُوبَكم.
والثّانِي: أنَّ غُفْرانَ الذَّنْبِ هو أنْ لا يُؤاخَذَ بِهِ، فَلَوْ قالَ: يَغْفِرُ لَكم ذُنُوبَكم، لَكانَ مَعْناهُ أنْ لا يُؤاخِذَكم بِمَجْمُوعِ ذُنُوبِكم، وعَدَمُ المُؤاخَذَةِ بِالمَجْمُوعِ لا يُوجِبُ عَدَمَ المُؤاخَذَةِ بِكُلِّ واحِدٍ مِن آحادِ المَجْمُوعِ، فَلَهُ أنْ يَقُولَ: لا أُطالِبُكَ بِمَجْمُوعِ ذُنُوبِكَ، ولَكِنِّي أُطالِبُكَ بِهَذا الذَّنْبِ الواحِدِ فَقَطْ، أمّا لَمّا قالَ: ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكُمْ﴾ كانَ تَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ كُلَّ ما كانَ مِن ذُنُوبِكم، وهَذا يَقْتَضِي عَدَمَ المُؤاخَذَةِ عَلى مَجْمُوعِ الذُّنُوبِ وعَدَمِ المُؤاخَذَةِ أيْضًا عَلى كُلِّ فَرْدٍ مِن أفْرادِ المَجْمُوعِ.
الثّالِثُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكُمْ﴾ هَبْ أنَّهُ يَقْتَضِي التَّبْعِيضَ لَكِنَّهُ حَتّى لِأنَّ مَن آمَنَ فَإنَّهُ يَصِيرُ ما تَقَدَّمَ مِن ذُنُوبِهِ عَلى إيمانِهِ مَغْفُورًا، أمّا ما تَأخَّرَ عَنْهُ فَإنَّهُ لا يَصِيرُ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَغْفُورًا، فَثَبَتَ أنَّهُ لا بُدَّ هَهُنا مِن حَرْفِ التَّبْعِيضِ.
السُّؤالُ الثّانِي: كَيْفَ قالَ: ﴿ويُؤَخِّرْكُمْ﴾ مَعَ إخْبارِهِ بِامْتِناعِ تَأْخِيرِ الأجَلِ، وهَلْ هَذا إلّا تَناقُضٌ ؟ (الجَوابُ) قَضى اللَّهُ مَثَلًا أنَّ قَوْمَ نُوحٍ إنْ آمَنُوا عَمَّرَهُمُ اللَّهُ ألْفَ سَنَةٍ، وإنْ بَقُوا عَلى كُفْرِهِمْ أهْلَكَهم عَلى رَأْسِ تِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ، فَقِيلَ لَهم: آمِنُوا ﴿ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ أيْ إلى وقْتٍ سَمّاهُ اللَّهُ وجَعَلَهُ غايَةَ الطُّولِ في العُمْرِ، وهو تَمامُ الألْفِ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهُ إذا انْقَضى ذَلِكَ الأجَلُ الأطْوَلُ لا بُدَّ مِنَ المَوْتِ.
السُّؤالُ الثّالِثُ: ما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ ﴿لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (( الجَوابُ) الغَرَضُ الزَّجْرُ عَنْ حُبِّ الدُّنْيا، وعَنِ التَّهالُكِ عَلَيْها والإعْراضِ عَنِ الدِّينِ بِسَبَبِ حُبِّها، يَعْنِي أنَّ غُلُوَّهم في حُبِّ الدُّنْيا وطَلَبِ لَذّاتِها بَلَغَ إلى حَيْثُ يَدُلُّ عَلى أنَّهم شاكُّونَ في المَوْتِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦۤ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","قَالَ یَـٰقَوۡمِ إِنِّی لَكُمۡ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ","أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِیعُونِ","یَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَیُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَاۤءَ لَا یُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"],"ayah":"أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِیعُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق