الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ ﴿وإذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾ . المُرادُ مِنَ الشَّرِّ والخَيْرِ الفَقْرُ والغِنى أوِ المَرَضُ والصِّحَّةُ، فالمَعْنى أنَّهُ إذا صارَ فَقِيرًا أوْ مَرِيضًا أخَذَ في الجَزَعِ والشِّكايَةِ، وإذا صارَ غَنِيًّا أوْ صَحِيحًا أخَذَ في مَنعِ المَعْرُوفِ وشَحَّ بِمالِهِ ولَمْ يَلْتَفِتْ إلى النّاسِ، فَإنْ قِيلَ: حاصِلُ هَذا الكَلامِ أنَّهُ نَفُورٌ عَنِ المَضارِّ طالِبٌ لِلرّاحَةِ، وهَذا هو اللّائِقُ بِالعَقْلِ فَلِمَ ذَمَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ؟ قُلْنا: إنَّما ذَمَّهُ عَلَيْهِ لِأنَّهُ قاصِرُ النَّظَرِ عَلى الأحْوالِ الجُسْمانِيَّةِ العاجِلَةِ، وكانَ مِنَ الواجِبِ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِأحْوالِ الآخِرَةِ، فَإذا وقَعَ في مَرَضٍ أوْ فَقْرٍ وعَلِمَ أنَّهُ فِعْلُ اللَّهِ تَعالى كانَ راضِيًا بِهِ، لِعِلْمِهِ أنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويُحْكِمُ ما يُرِيدُ، وإذا وجَدَ المالَ والصِّحَّةَ صَرَفَهُما إلى طَلَبِ السَّعاداتِ الأُخْرَوِيَّةِ، واعْلَمْ أنَّهُ اسْتَثْنى مِن هَذِهِ الحالَةِ المَذْكُورَةِ المَذْمُومَةِ مَن كانَ مَوْصُوفًا بِثَمانِيَةِ أشْياءَ: أوَّلُها قَوْلُهُ: ﴿إلّا المُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ فَإنْ قِيلَ: قالَ: ﴿عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ ثُمَّ: ﴿عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ [المَعارِجِ: ٣٤] قُلْنا: مَعْنى دَوامِهِمْ عَلَيْها أنْ لا يَتْرُكُوها في شَيْءٍ مِنَ الأوْقاتِ، ومُحافَظَتُهم عَلَيْها تَرْجِعُ إلى الِاهْتِمامِ بِحالِها حَتّى يُؤْتى بِها عَلى أكْمَلِ الوُجُوهِ، وهَذا الِاهْتِمامُ إنَّما يَحْصُلُ تارَةً بِأُمُورٍ سابِقَةٍ عَلى الصَّلاةِ، وتارَةً بِأُمُورٍ لاحِقَةٍ بِها، وتارَةً بِأُمُورٍ مُتَراخِيَةٍ عَنْها، أمّا الأُمُورُ السّابِقَةُ فَهو أنْ يَكُونَ قَبْلَ دُخُولِ وقْتِها مُتَعَلِّقَ القَلْبِ بِدُخُولِ أوْقاتِها، ومُتَعَلِّقٌ بِالوُضُوءِ، وسَتْرِ العَوْرَةِ وطَلَبِ القِبْلَةِ، ووِجْدانِ الثَّوْبِ (p-١١٥)والمَكانِ الطّاهِرَيْنِ، والإتْيانِ بِالصَّلاةِ في الجَماعَةِ، وفي المَساجِدِ المُبارَكَةِ، وأنْ يَجْتَهِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ في الصَّلاةِ في تَفْرِيغِ القَلْبِ عَنِ الوَساوِسِ والِالتِفاتِ إلى ما سِوى اللَّهِ تَعالى، وأنْ يُبالِغَ في الِاحْتِرازِ عَنِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ، وأمّا الأُمُورُ المُقارِنَةُ فَهو أنْ لا يَلْتَفِتَ يَمِينًا ولا شِمالًا، وأنْ يَكُونَ حاضِرَ القَلْبِ عِنْدَ القِراءَةِ، فاهِمًا لِلْأذْكارِ، مُطَّلِعًا عَلى حُكْمِ الصَّلاةِ، وأمّا الأُمُورُ المُتَراخِيَةُ فَهي أنْ لا يَشْتَغِلَ بَعْدَ إقامَةِ الصَّلاةِ بِاللَّغْوِ واللَّهْوِ واللَّعِبِ، وأنْ يَحْتَرِزَ كُلَّ الِاحْتِرازِ عَنِ الإتْيانِ بَعْدَها بِشَيْءٍ مِنَ المَعاصِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب