الباحث القرآني
(p-١٠٧)سُورَةُ المَعارِجِ
أرْبَعُونَ وأرْبَعُ آياتٍ
﷽
﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ ﴿لِلْكافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ﴾ .
﷽
﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ ﴿لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿سَألَ﴾ فِيهِ قِراءَتانِ مِنهم مَن قَرَأهُ بِالهَمْزَةِ، ومِنهم مَن قَرَأهُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، أمّا الأوَّلُونَ وهُمُ الجُمْهُورُ فَهَذِهِ القِراءَةُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنَ التَّفْسِيرِ:
الأوَّلُ: أنَّ النَّضْرَ بْنَ الحارِثِ لَمّا قالَ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنْفالِ: ٣٢] فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿سَألَ سائِلٌ﴾ أيْ: دَعا داعٍ ﴿بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ مِن قَوْلِكَ دَعا بِكَذا إذا اسْتَدْعاهُ وطَلَبَهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وعَلى هَذا القَوْلِ تَقْدِيرُ الباءِ الإسْقاطُ، وتَأْوِيلُ الآيَةِ: سَألَ سائِلٌ عَذابًا واقِعًا، فَأكَّدَ بِالباءِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُزِّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مَرَيْمَ: ٢٥] وقالَ صاحِبُ الكَشّافِ: لَمّا كانَ ﴿سَألَ﴾ مَعْناهُ هَهُنا دَعا لا جَرَمَ عُدِّيَ تَعْدِيَتُهُ، كَأنَّهُ قالَ: دَعا داعٍ بِعَذابٍ مِنَ اللَّهِ.
الثّانِي: قالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ: لَمّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ وخَوَّفَ المُشْرِكِينَ بِالعَذابِ قالَ المُشْرِكُونَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: سَلُوا مُحَمَّدًا لِمَن هَذا العَذابُ وبِمَن يَقَعُ، فَأخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: والتَّأْوِيلُ عَلى هَذا القَوْلِ: ﴿سَألَ سائِلٌ﴾ عَنْ عَذابٍ والباءُ بِمَعْنى عَنْ، كَقَوْلِهِ:
؎فَإنْ تَسْألُونِي بِالنِّساءِ فَإنَّنِي بَصِيرٌ بِأدْواءِ النِّساءِ طَبِيبُ
وقالَ تَعالى: ﴿فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفُرْقانِ: ٥٩] وقالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ﴿سَألَ﴾ عَلى هَذا الوَجْهِ في تَقْدِيرِ عَنى واهْتَمَّ كَأنَّهُ قِيلَ: اهْتَمَّ مُهْتَمٌّ بِعَذابٍ واقِعٍ.
الثّالِثُ: قالَ بَعْضُهم: هَذا السّائِلُ هو رَسُولُ اللَّهِ اسْتَعْجَلَ بِعَذابِ الكافِرِينَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ أنَّ هَذا العَذابَ واقِعٌ بِهِمْ، فَلا دافِعَ لَهُ، قالُوا: والَّذِي يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ هَذا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعالى في آخِرِ الآيَةِ: ﴿فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المَعارِجِ: ٥] وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ السّائِلَ هو الَّذِي أمَرَهُ بِالصَّبْرِ (p-١٠٨)الجَمِيلِ.
أمّا القِراءَةُ الثّانِيَةُ، وهي ”سالَ“ بِغَيْرِ هَمْزٍ فَلَها وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ ﴿سَألَ﴾ بِالهَمْزَةِ فَخَفَّفَ وقَلَبَ قالَ:
؎سالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فاحِشَةً ∗∗∗ ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِما سَألَتْ ولَمْ تُصِبِ
والوَجْهُ الثّانِي: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ السَّيَلانِ ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ ”سالَ سَيْلٌ“ والسَّيْلُ مَصْدَرٌ في مَعْنى السّائِلِ، كالغَوْرِ بِمَعْنى الغائِرِ، والمَعْنى انْدَفَعَ وادٍ بِعَذابٍ، وهَذا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ قالا: سالَ وادٍ مِنَ أوْدِيَةِ جَهَنَّمَ ﴿بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ . أمّا سائِلٌ، فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ الهَمْزِ؛ لِأنَّهُ إنْ كانَ مِن سَألَ المَهْمُوزِ، فَهو بِالهَمْزِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ المَهْمُوزِ كانَ بِالهَمْزِ أيْضًا نَحْوَ قائِلٍ وخائِفٍ، إلّا أنَّكَ إنْ شِئْتَ خَفَّفْتَ الهَمْزَةَ فَجَعَلْتَها بَيْنَ بَيْنَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ ﴿لِلْكافِرينَ﴾ فِيهِ وجْهانِ، وذَلِكَ لِأنّا إنْ فَسَّرْنا قَوْلَهُ: سَألَ بِما ذَكَرْنا مِنَ أنَّ النَّضْرَ طَلَبَ العَذابَ، كانَ المَعْنى أنَّهُ طَلَبَ طالِبٌ عَذابًا هو واقِعٌ لا مَحالَةَ سَواءٌ طَلَبَ أوْ لَمْ يَطْلُبْ، وذَلِكَ لِأنَّ ذَلِكَ العَذابَ نازِلٌ لِلْكافِرِينَ في الآخِرَةِ واقِعٌ بِهِمْ لا يَدْفَعُهُ عَنْهم أحَدٌ، وقَدْ وقَعَ بِالنَّضْرِ في الدُّنْيا؛ لِأنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، وأمّا إذا فَسَّرْناهُ بِالوَجْهِ الثّانِي وهو أنَّهم سَألُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ، أنَّ هَذا العَذابَ بِمَن يَنْزِلُ ؟ فَأجابَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِأنَّهُ واقِعٌ لِلْكافِرِينَ. والقَوْلُ الأوَّلُ هو السَّدِيدُ.
وقَوْلُهُ مِنَ اللَّهِ فِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الآيَةِ بِعَذابٍ واقِعٍ مِنَ اللَّهِ لِلْكافِرِينَ.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ، أيْ: لَيْسَ لِذَلِكَ العَذابِ الصّادِرِ مِنَ اللَّهِ دافِعٌ مِن جِهَتِهِ، فَإنَّهُ إذا أوْجَبَتِ الحِكْمَةُ وُقُوعَهُ امْتَنَعَ أنْ لا يَفْعَلَهُ اللَّهُ وقَوْلُهُ: ﴿ذِي المَعارِجِ﴾ المَعارِجُ: جَمْعُ مِعْرَجٍ وهو المَصْعَدُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٣٣] والمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا:
أحَدُها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الكَلْبِيِّ ذِي المَعارِجِ، أيْ: ذِي السَّماواتِ، وسَمّاها مَعارِجَ؛ لِأنَّ المَلائِكَةَ يَعْرُجُونَ فِيها.
وثانِيها: قالَ قَتادَةُ: ذِي الفَواضِلِ والنِّعَمِ وذَلِكَ لِأنَّ لِأيادِيهِ ووُجُوهِ إنْعامِهِ مَراتِبَ، وهي تَصِلُ إلى النّاسِ عَلى مَراتِبَ مُخْتَلِفَةٍ.
وثالِثُها: أنَّ المَعارِجَ هي الدَّرَجاتُ الَّتِي يُعْطِيها أوْلِياءَهُ في الجَنَّةِ.
وعِنْدِي فِيهِ وجْهٌ رابِعٌ: وهو أنَّ هَذِهِ السَّماواتِ كَما أنَّها مُتَفاوِتَةٌ في الِارْتِفاعِ والِانْخِفاضِ والكِبَرِ والصِّغَرِ، فَكَذا الأرْواحُ المَلَكِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ في القُوَّةِ والضَّعْفِ والكَمالِ والنَّقْصِ، وكَثْرَةِ المَعارِفِ الإلَهِيَّةِ وقُوَّتِها وشِدَّةِ القُوَّةِ عَلى تَدْبِيرِ هَذا العالَمِ وضَعْفِ تِلْكَ القُوَّةِ، ولَعَلَّ نُورَ إنْعامِ اللَّهِ وأثَرَ فَيْضِ رَحْمَتِهِ لا يَصِلُ إلى هَذا العالَمِ بِواسِطَةِ تِلْكَ الأرْواحِ، إمّا عَلى سَبِيلِ العادَةِ أوْ لا كَذَلِكَ عَلى ما قالَ: ﴿فالمُقَسِّماتِ أمْرًا﴾ [الذّارِياتِ: ٤]، ﴿فالمُدَبِّراتِ أمْرًا﴾ [النّازِعاتِ: ٥] فالمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ﴾ الإشارَةُ إلى تِلْكَ الأرْواحِ المُخْتَلِفَةِ الَّتِي هي كالمَصاعِدِ لِارْتِفاعِ مَراتِبِ الحاجاتِ مِن هَذا العالَمِ إلَيْها، وكالمَنازِلِ لِنُزُولِ أثَرِ الرَّحْمَةِ مِن ذَلِكَ العالَمِ إلى هَهُنا.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَأَلَ سَاۤىِٕلُۢ بِعَذَابࣲ وَاقِعࣲ","لِّلۡكَـٰفِرِینَ لَیۡسَ لَهُۥ دَافِعࣱ","مِّنَ ٱللَّهِ ذِی ٱلۡمَعَارِجِ"],"ayah":"لِّلۡكَـٰفِرِینَ لَیۡسَ لَهُۥ دَافِعࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











