الباحث القرآني
(p-١٥١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ ولَكِنْ كَذَّبُوا فَأخَذْناهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ﴿أفَأمِنَ أهْلُ القُرى أنْ يَأْتِيَهم بَأْسُنا بَياتًا وهم نائِمُونَ﴾ ﴿أوَأمِنَ أهْلُ القُرى أنْ يَأْتِيَهم بَأْسُنا ضُحًى وهم يَلْعَبُونَ﴾ ﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلّا القَوْمُ الخاسِرُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ في الآيَةِ الأُولى أنَّ الَّذِينَ عَصَوْا وتَمَرَّدُوا أخَذَهُمُ اللَّهُ بَغْتَةً، بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهم لَوْ أطاعُوا لَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أبْوابَ الخَيْراتِ، فَقالَ: ﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا﴾ أيْ آمَنُوا بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ (واتَّقَوْا) ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ وحَرَّمَهُ ﴿لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ بَرَكاتُ السَّماءِ بِالمَطَرِ، وبَرَكاتُ الأرْضِ بِالنَّباتِ والثِّمارِ، وكَثْرَةِ المَواشِي والأنْعامِ، وحُصُولِ الأمْنِ والسَّلامَةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ السَّماءَ تَجْرِي مَجْرى الأبِ، والأرْضَ تَجْرِي مَجْرى الأُمِّ، ومِنهُما يَحْصُلُ جَمِيعُ المَنافِعِ والخَيْراتِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى وتَدْبِيرِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿ولَكِنْ كَذَّبُوا﴾ يَعْنِي الرُّسُلَ (فَأخَذْناهم) بِالجُدُوبَةِ والقَحْطِ ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ مِنَ الكُفْرِ والمَعْصِيَةِ.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أعادَ التَّهْدِيدَ بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ فَقالَ: ﴿أفَأمِنَ أهْلُ القُرى﴾ وهو اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى الإنْكارِ عَلَيْهِمْ، والمَقْصُودُ أنَّهُ تَعالى خَوَّفَهم بِنُزُولِ ذَلِكَ العَذابِ عَلَيْهِمْ في الوَقْتِ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ في غايَةِ الغَفْلَةِ، وهو حالُ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ، وحالُ الضُّحى بِالنَّهارِ؛ لِأنَّهُ الوَقْتُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلى المَرْءِ التَّشاغُلُ بِاللَّذّاتِ فِيهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وهم يَلْعَبُونَ﴾ يَحْتَمِلُ التَّشاغُلَ بِأُمُورِ الدُّنْيا، فَهي لَعِبٌ ولَهْوٌ، ويَحْتَمِلُ خَوْضَهم في كُفْرِهِمْ؛ لِأنَّ ذَلِكَ كاللَّعِبِ في أنَّهُ لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ. قَرَأ أكْثَرُ القُرّاءِ ”أوَأمِنَ“ بِفَتْحِ الواوِ، وهو حَرْفُ العَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ، كَما دَخَلَ في قَوْلِهِ: ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ﴾ [يونس: ٥١] وقَوْلِهِ: ﴿أوَكُلَّما عاهَدُوا﴾ [البقرة: ١٠٠] وهَذِهِ القِراءَةُ أشْبَهُ بِما قَبْلَهُ وبَعْدَهُ؛ لِأنَّ قَبْلَهُ ﴿أفَأمِنَ أهْلُ القُرى﴾ وما بَعْدَهُ ﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ ﴿أوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ﴾ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ”أوْ أمِنَ“ ساكِنَةَ الواوِ، واسْتُعْمِلَ عَلى ضَرْبَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ تَكُونَ بِمَعْنى أحَدِ الشَّيْئَيْنِ، كَقَوْلِهِ: زَيْدٌ أوْ عَمْرٌو جاءَ، والمَعْنى: أحَدُهُما جاءَ.
والضَّرْبُ الثّانِي: أنْ تَكُونَ لِلْإضْرابِ عَمّا قَبْلَها، كَقَوْلِكَ: أنا أخْرُجُ أوْ أُقِيمُ، أضْرَبْتَ عَنِ الخُرُوجِ وأثْبَتَّ الإقامَةَ، كَأنَّكَ قُلْتَ: لا بَلْ أُقِيمُ، فَوَجْهُ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّهُ جَعَلَ ”أوْ“ لِلْإضْرابِ لا عَلى أنَّهُ أبْطَلَ الأوَّلَ، وهو ﴿الم﴾ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أمْ يَقُولُونَ﴾ [السجدة: ١، ٢، ٣] فَكانَ المَعْنى مِن هَذِهِ الآيَةِ اسْتِواءُ هَذِهِ الضُّرُوبِ مِنَ العَذابِ، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَ ”أوْ“ هَهُنا الَّتِي لِأحَدِ الشَّيْئَيْنِ، ويَكُونُ المَعْنى: أفَأمِنُوا إحْدى هَذِهِ العُقُوباتِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ضُحًى﴾ الضُّحى: صَدْرُ النَّهارِ، وأصْلُهُ الظُّهُورُ، مِن قَوْلِهِمْ: ضَحا لِلشَّمْسِ إذا ظَهَرَ لَها.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ وقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ المَكْرِ في اللُّغَةِ، ومَعْنى المَكْرِ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ومَكَرُوا ومَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٥٤] ويَدُلُّ قَوْلُهُ: ﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ أنَّ المُرادَ أنْ يَأْتِيَهم عَذابُهُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، قالَهُ عَلى وجْهِ التَّحْذِيرِ، وسَمّى هَذا العَذابَ مَكْرًا تَوَسُّعًا؛ لِأنَّ الواحِدَ مِنّا إذا أرادَ المَكْرَ بِصاحِبِهِ، فَإنَّهُ يُوقِعُهُ في البَلاءِ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ بِهِ، فَسَمّى العَذابَ مَكْرًا لِنُزُولِهِ بِهِمْ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، وبَيَّنَ أنَّهُ لا يَأْمَنُ نُزُولَ عَذابِ اللَّهِ عَلى هَذا الوَجْهِ ﴿إلّا القَوْمُ الخاسِرُونَ﴾ وهُمُ الَّذِينَ لِغَفْلَتِهِمْ وجَهْلِهِمْ لا يَعْرِفُونَ رَبَّهم، فَلا يَخافُونَهُ، ومَن هَذِهِ سَبِيلُهُ فَهو أخْسَرُ الخاسِرِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ لِأنَّهُ أوْقَعَ نَفْسَهُ في الدُّنْيا في الضَّرَرِ، وفي الآخِرَةِ في أشَدِّ العَذابِ.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ","أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا بَیَـٰتࣰا وَهُمۡ نَاۤىِٕمُونَ","أَوَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا ضُحࣰى وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ","أَفَأَمِنُوا۟ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ"],"ayah":"أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا بَیَـٰتࣰا وَهُمۡ نَاۤىِٕمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











