الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ إلّا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهم يَضَّرَّعُونَ﴾ ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنا الضَّرّاءُ والسَّرّاءُ فَأخَذْناهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا عَرَّفَنا أحْوالَ هَؤُلاءِ الأنْبِياءِ وأحْوالَ ما جَرى عَلى أُمَمِهِمْ كانَ مِنَ الجائِزِ أنْ يُظَنَّ (p-١٥٠)أنَّهُ تَعالى ما أنْزَلَ عَذابَ الِاسْتِئْصالِ إلّا في زَمَنِ هَؤُلاءِ الأنْبِياءِ فَقَطْ، فَبَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ هَذا الجِنْسَ مِنَ الهَلاكِ قَدْ فَعَلَهُ بِغَيْرِهِمْ، وبَيَّنَ العِلَّةَ الَّتِي بِها يَفْعَلُ ذَلِكَ، قالَ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ إلّا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ﴾ وإنَّما ذَكَرَ القَرْيَةَ لِأنَّها مُجْتَمَعُ القَوْمِ الَّذِينَ إلَيْهِمْ يُبْعَثُ الرُّسُلُ، ويَدْخُلُ تَحْتَ هَذا اللَّفْظِ المَدِينَةُ؛ لِأنَّها مُجْتَمَعُ الأقْوامِ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن نَبِيٍّ﴾ فِيهِ حَذْفٌ وإضْمارٌ، والتَّقْدِيرُ: مِن نَبِيٍّ فَكُذِّبَ أوْ كَذَّبَهُ أهْلُها إلّا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ. قالَ الزَّجّاجُ: البَأْساءُ كُلُّ ما نالَهم مِنَ الشِّدَّةِ في أحْوالِهِمْ، والضَّرّاءُ ما نالَهم مِنَ الأمْراضِ. وقِيلَ عَلى العَكْسِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِكَيْ يَضَّرَّعُوا، مَعْناهُ: يَتَضَرَّعُوا، والتَّضَرُّعُ هو الخُضُوعُ والِانْقِيادُ لِلَّهِ تَعالى، ولَمّا عَلِمْتَ أنَّ قَوْلَهُ: (لَعَلَّهم) لا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى الشَّكِّ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى، وجَبَ حَمْلُهُ عَلى أنَّ المُرادَ أنَّهُ تَعالى فَعَلَ هَذا الفِعْلَ لِكَيْ يَتَضَرَّعُوا. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أرادَ مِن كُلِّ المُكَلَّفِينَ الإيمانَ والطّاعَةَ. وقالَ أصْحابُنا: لَمّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أنَّ تَعْلِيلَ أفْعالِ اللَّهِ وأحْكامِهِ مُحالٌ وجَبَ حَمْلُ الآيَةِ عَلى أنَّهُ تَعالى فَعَلَ ما لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَكانَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالعِلَّةِ والغَرَضِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ تَدْبِيرَهُ في أهْلِ القُرى لا يَجْرِي عَلى نَمَطٍ واحِدٍ، وإنَّما يُدَبِّرُهم بِما يَكُونُ إلى الإيمانِ أقْرَبَ فَقالَ: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ﴾ لِأنَّ وُرُودَ النِّعْمَةِ في البَدَنِ والمالِ بَعْدَ البَأْساءِ والضَّرّاءِ يَدْعُو إلى الِانْقِيادِ والِاشْتِغالِ بِالشُّكْرِ، ومَعْنى الحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ هَهُنا الشِّدَّةُ والرَّخاءُ. قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: ”السَّيِّئَةُ“ كُلُّ ما يَسُوءُ صاحِبَهُ، و”الحَسَنَةُ“ ما يَسْتَحْسِنُهُ الطَّبْعُ والعَقْلُ، والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى أخْبَرَ أنَّهُ يَأْخُذُ أهْلَ المَعاصِي بِالشِّدَّةِ تارَةً وبِالرَّخاءِ أُخْرى. وقَوْلُهُ: ﴿حَتّى عَفَوْا﴾ قالَ الكِسائِيُّ: يُقالُ: قَدْ عَفا الشَّعَرُ وغَيْرُهُ، إذا كَثُرَ، يَعْفُو فَهو عافٍ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى عَفَوْا﴾ يَعْنِي كَثُرُوا، ومِنهُ ما ورَدَ في الحَدِيثِ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «أمَرَ أنْ تُحَفَّ الشَّوارِبُ، وتُعْفى اللِّحى» يَعْنِي تَوَفَّرَ وتُكَثَّرَ. وقَوْلُهُ: ﴿وقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنا الضَّرّاءُ والسَّرّاءُ﴾ فالمَعْنى: أنَّهم مَتى نالَهم شِدَّةٌ قالُوا: لَيْسَ هَذا بِسَبَبِ ما نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ والعَمَلِ، وتِلْكَ عادَةُ الدَّهْرِ، ولَمْ يَكُنْ ما مَسَّنا مِنَ البَأْساءِ والضَّرّاءِ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ، وهَذِهِ الحِكايَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهم لَمْ يَنْتَفِعُوا بِما دَبَّرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِن رَخاءٍ بَعْدَ شِدَّةٍ، وأمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، بَلْ عَدَلُوا إلى أنَّ هَذِهِ عادَةَ الزَّمانِ في أهْلِهِ، فَمَرَّةً يَحْصُلُ فِيهِمُ الشِّدَّةُ والنَّكَدُ، ومَرَّةً يَحْصُلُ لَهُمُ الرَّخاءُ والرّاحَةُ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ أزالَ عُذْرَهم وأزاحَ عِلَّتَهم، فَلَمْ يَنْقادُوا ولَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ الإمْهالِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَأخَذْناهم بَغْتَةً﴾ والمَعْنى: أنَّهم لَمّا تَمَرَّدُوا عَلى التَّقْدِيرَيْنِ أخَذَهُمُ اللَّهُ بَغْتَةً أيْنَما كانُوا؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ أعْظَمَ في الحَسْرَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ أيْ يَرَوْنَ العَذابَ والحِكْمَةَ في حِكايَةِ هَذا المَعْنى أنْ يَحْصُلَ الِاعْتِبارُ لِمَن سَمِعَ هَذِهِ القِصَّةَ وعَرَفَها.
﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ ولَكِنْ كَذَّبُوا فَأخَذْناهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ﴿أفَأمِن أهْلُ القُرى أنْ يَأْتِيَهم بَأْسُنا بَياتًا وهم نائِمُونَ﴾ ﴿أوَأمِن أهْلُ القُرى أنْ يَأْتِيَهم بَأْسُنا ضُحًى وهم يَلْعَبُونَ﴾ ﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلّا القَوْمُ الخاسِرُونَ﴾ .
{"ayahs_start":94,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِیٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ","ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّیِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا۟ وَّقَالُوا۟ قَدۡ مَسَّ ءَابَاۤءَنَا ٱلضَّرَّاۤءُ وَٱلسَّرَّاۤءُ فَأَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِیٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











