الباحث القرآني
وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ فِيها مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ أهْلَ القِيامَةِ فَرِيقانِ: مِنهم مَن يَزِيدُ حَسَناتُهُ عَلى سَيِّئاتِهِ، ومِنهم مَن يَزِيدُ سَيِّئاتُهُ عَلى حَسَناتِهِ، فَأمّا القِسْمُ الثّالِثُ وهو الَّذِي تَكُونُ حَسَناتُهُ وسَيِّئاتُهُ مُتَعادِلَةً مُتَساوِيَةً، فَإنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ الكافِرُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ والخَبَرُ والأثَرُ. أمّا القُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعْرافِ: ٩] ولا مَعْنى لِكَوْنِ الإنْسانِ ظالِمًا بِآياتِ اللَّهِ إلّا كَوْنُهُ كافِرًا بِها مُنْكِرًا لَها، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ الآيَةِ أهْلُ الكُفْرِ، وأمّا الخَبَرُ فَما رُوِيَ أنَّهُ «إذا خَفَّتْ حَسَناتُ المُؤْمِنِ أخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن حُجْرَتِهِ بِطاقَةً كالأُنْمُلَةِ فَيُلْقِيها في كِفَّةِ المِيزانِ اليُمْنى الَّتِي فِيها حَسَناتُهُ فَتَرْجَحُ الحَسَناتُ، فَيَقُولُ ذَلِكَ العَبْدُ المُؤْمِنُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: بِأبِي أنْتَ وأُمِّي ما أحْسَنَ وجْهَكَ وأحْسَنَ خُلُقَكَ، فَمَن أنْتَ ؟ فَيَقُولُ: ”أنا نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ، وهَذِهِ صَلاتُكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّي عَلَيَّ قَدْ وفَّيْتُكَ أحْوَجَ ما تَكُونُ إلَيْها» وهَذا الخَبَرُ رَواهُ الواحِدِيُّ في“البَسِيطِ"، وأمّا جُمْهُورُ العُلَماءِ فَرَوَوْا هَهُنا (p-٢٤)الخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْناهُ مِن أنَّهُ تَعالى يُلْقِي في كِفَّةِ الحَسَناتِ الكِتابَ المُشْتَمِلَ عَلى شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
قالَ القاضِي: يَجِبُ أنْ يُحْمَلَ هَذا عَلى أنَّهُ أتى بِالشَّهادَتَيْنِ بِحَقِّهِما مِنَ العِباداتِ؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ لَكانَ مَن أتى بِالشَّهادَتَيْنِ يَعْلَمُ أنَّ المَعاصِيَ لا تَضُرُّهُ، وذَلِكَ إغْراءٌ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى.
ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: العَقْلُ يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ ما دَلَّ عَلَيْهِ هَذا الخَبَرُ، وذَلِكَ أنَّ العَمَلَ كُلَّما كانَ أشْرَفَ وأعْلى دَرَجَةً، وجَبَ أنْ يَكُونَ أكْثَرَ ثَوابًا، ومَعْلُومٌ أنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعالى ومَحَبَّتَهُ أعْلى شَأْنًا، وأعْظَمُ دَرَجَةً مِن سائِرِ الأعْمالِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ أوْفى ثَوابًا، وأعْلى دَرَجَةً مِن سائِرِ الأعْمالِ. وأمّا الأثَرُ فَلِأنَّ ابْنَ عَبّاسٍ وأكْثَرَ المُفَسِّرِينَ حَمَلُوا هَذِهِ الآيَةَ عَلى أهْلِ الكُفْرِ.
وإذا ثَبَتَ هَذا الأصْلُ فَنَقُولُ: إنَّ المُرْجِئَةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: المَعْصِيَةُ لا تَضُرُّ مَعَ الإيمانِ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: إنَّهُ تَعالى حَصَرَ أهْلَ مَوْقِفِ القِيامَةِ في قِسْمَيْنِ:
أحَدُهُما: الَّذِينَ رَجَحَتْ كِفَّةُ حَسَناتِهِمْ وحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالفَلاحِ.
والثّانِي: الَّذِينَ رَجَحَتْ كِفَّةُ سَيِّئاتِهِمْ، وحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم أهْلُ الكُفْرِ الَّذِينَ كانُوا يَظْلِمُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُؤْمِنَ لا يُعاقَبُ ألْبَتَّةَ.
ونَحْنُ نَقُولُ في الجَوابِ: أقْصى ما في البابِ أنَّهُ تَعالى لَمْ يَذْكُرْ هَذا القِسْمَ الثّالِثَ في هَذِهِ الآيَةِ إلّا أنَّهُ تَعالى ذَكَرَهُ في سائِرِ الآياتِ، فَقالَ: ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ (النِّساءِ: ٤٨) والمَنطُوقُ راجِحٌ عَلى المَفْهُومِ، فَوَجَبَ المَصِيرُ إلى إثْباتِهِ، وأيْضًا فَقالَ تَعالى في هَذا القِسْمِ: ﴿فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ ونَحْنُ نُسَلِّمُ أنَّ هَذا لا يَلِيقُ إلّا بِالكافِرِ، وأمّا العاصِي المُؤْمِنُ فَإنَّهُ يُعَذَّبُ أيّامًا ثُمَّ يُعْفى عَنْهُ، ويَتَخَلَّصُ إلى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى، فَهو في الحَقِيقَةِ ما خَسِرَ نَفْسَهُ، بَلْ فازَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ أبَدَ الآبادِ مِن غَيْرِ زَوالٍ وانْقِطاعٍ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق