الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنْجَيْناهُ وأهْلَهُ إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأنْجَيْناهُ وأهْلَهُ﴾ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن أهْلِهِ أنْصارَهُ وأتْباعَهُ الَّذِينَ قَبِلُوا دِينَهُ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ المُتَّصِلِينَ بِهِ بِالنَّسَبِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُرادُ ابْنَتاهُ. وقَوْلُهُ: ﴿إلّا امْرَأتَهُ﴾ أيْ زَوْجَتَهُ، يُقالُ: امْرَأةُ الرَّجُلِ بِمَعْنى زَوْجَتِهِ، ويُقالُ: رَجُلُ المَرْأةِ، بِمَعْنى زَوْجِها؛ لِأنَّ الزَّوْجَ بِمَنزِلَةِ المالِكِ لَها، ولَيْسَتِ المَرْأةُ بِمَنزِلَةِ المالِكِ لِلرَّجُلِ، فَإذا أُضِيفَتْ إلى الرَّجُلِ بِالِاسْمِ العامِّ عُرِفَتِ الزَّوْجِيَّةُ ومِلْكُ النِّكاحِ، والرَّجُلُ إذا أُضِيفَ إلى المَرْأةِ بِالِاسْمِ العامِّ تُعْرَفُ الزَّوْجِيَّةُ. وقَوْلُهُ: ﴿كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ يُقالُ: غَبَرَ الشَّيْءُ (p-١٤٠)يَغْبُرُ غُبُورًا، إذا مَكَثَ وبَقِيَ. قالَ الهُذَلِيُّ:
؎فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناصِبٍ وأخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ
يَعْنِي بَقِيتُ، فَمَعْنى الآيَةِ أنَّها كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ عَنِ النَّجاةِ. أيْ مِنَ الَّذِينَ بَقُوا عَنْها ولَمْ يُدْرِكُوا النَّجاةَ، يُقالُ: فُلانٌ غَبَرَ هَذا الأمْرَ، أيْ لَمْ يُدْرِكْهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّها لَمْ تَسْرِ مَعَ لُوطٍ وأهْلِهِ، بَلْ تَخَلَّفَتْ عَنْهُ وبَقِيَتْ في ذَلِكَ المَوْضِعِ الَّذِي هو مَوْضِعُ العَذابِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ يُقالُ: مَطَرَتِ السَّماءُ وأمْطَرَتْ، والأوَّلُ أفْصَحُ، وأمْطَرَهم مَطَرًا وعَذابًا، وكَذَلِكَ أمْطَرَ عَلَيْهِمْ، والمُرادُ أنَّهُ تَعالى أمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنَ السَّماءِ بِدَلِيلِ أنَّهُ تَعالى قالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٤] .
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: ظاهِرُ هَذا اللَّفْظِ وإنْ كانَ مَخْصُوصًا بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ إلّا أنَّ المُرادَ سائِرُ المُكَلَّفِينَ؛ لِيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ فَيَنْزَجِرُوا.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ وقَدْ أمِنُوا مِن عَذابِ الِاسْتِئْصالِ ؟
قُلْنا: إنَّ عَذابَ الآخِرَةِ أعْظَمُ وأدْوَنُ مِن ذَلِكَ، فَعِنْدَ سَماعِ هَذِهِ القِصَّةِ يَذْكُرُونَ عَذابَ الآخِرَةِ مُؤَنِّبَةً عَلى عَذابِ الِاسْتِئْصالِ، ويَكُونُ ذَلِكَ زَجْرًا وتَحْذِيرًا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ اللِّواطَةَ تُوجِبُ الحَدَّ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لا تُوجِبُهُ، ولِلشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أنْ يَحْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ ثَبَتَ في شَرِيعَةِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ رَجْمُ اللُّوطِيِّ، والأصْلُ في الثّابِتِ البَقاءُ، إلّا أنْ يَظْهَرَ طَرَيانُ النّاسِخِ، ولَمْ يَظْهَرْ في شَرْعِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ناسِخٌ لِهَذا الحُكْمِ، فَوَجَبَ القَوْلُ بِبَقائِهِ.
الثّانِي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] قَدْ بَيَّنّا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ شَرْعَ مَن قَبْلَنا حُجَّةٌ عَلَيْنا.
والثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ العاقِبَةِ ما سَبَقَ ذِكْرُهُ وهو إنْزالُ الحَجَرِ عَلَيْهِمْ، ومِنَ المُجْرِمِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو المَذْكُورُ السّابِقُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، فَصارَ تَقْدِيرُ الآيَةِ: فانْظُرْ كَيْفَ أمْطَرَ اللَّهُ الحِجارَةَ عَلى مَن يَعْمَلُ ذَلِكَ العَمَلَ المَخْصُوصَ.
وذِكْرُ الحُكْمِ عَقِيبَ الوَصْفِ المُناسِبِ يَدُلُّ عَلى كَوْنِ ذَلِكَ الوَصْفِ عِلَّةً لِذَلِكَ الحُكْمِ، فَهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي كَوْنَ هَذا الجُرْمِ المَخْصُوصِ عِلَّةً لِحُصُولِ هَذا الزّاجِرِ المَخْصُوصِ، وإذا ظَهَرَتِ العِلَّةُ وجَبَ أنْ يَحْصُلَ هَذا الحُكْمُ أيْنَما حَصَلَتْ هَذِهِ العِلَّةُ.
{"ayahs_start":83,"ayahs":["فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ","وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"],"ayah":"فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق