الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا عَظَّمَ شَأْنَ القُرْآنِ بِقَوْلِهِ: ﴿هَذا بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ أرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الإنْصاتُ السُّكُوتُ والِاسْتِماعُ، يُقالُ: نَصَتَ، وأنْصَتَ، وانْتَصَتَ، بِمَعْنًى واحِدٍ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لا شَكَّ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ أمْرٌ، وظاهِرُ الأمْرِ لِلْوُجُوبِ، فَمُقْتَضاهُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِماعُ والسُّكُوتُ واجِبًا، ولِلنّاسِ فِيهِ أقْوالٌ.
القَوْلُ الأوَّلُ: وهو قَوْلُ الحَسَنِ وقَوْلُ أهْلِ الظّاهِرِ: أنّا نُجْرِي هَذِهِ الآيَةَ عَلى عُمُومِها فَفي أيِّ مَوْضِعٍ قَرَأ الإنْسانُ القُرْآنَ وجَبَ عَلى كُلِّ أحَدٍ اسْتِماعُهُ والسُّكُوتُ، فَعَلى هَذا القَوْلِ يَجِبُ الإنْصاتُ لِعابِرِي الطَّرِيقِ ومُعَلِّمِي الصِّبْيانِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في تَحْرِيمِ الكَلامِ في الصَّلاةِ، قالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كانُوا يَتَكَلَّمُونَ في الصَّلاةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وأُمِرُوا بِالإنْصاتِ، وقالَ قَتادَةُ: كانَ الرَّجُلُ يَأْتِي وهم في الصَّلاةِ فَيَسْألُهم، كَمْ صَلَّيْتُمْ وكَمْ بَقِيَ ؟ وكانُوا يَتَكَلَّمُونَ في الصَّلاةِ بِحَوائِجِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.
والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في تَرْكِ الجَهْرِ بِالقِراءَةِ وراءَ الإمامِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ وقَرَأ أصْحابُهُ وراءَهُ رافِعِينَ أصْواتَهم، فَخَلَطُوا عَلَيْهِ»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ وأصْحابِهِ.
(p-٨٤)القَوْلُ الرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في السُّكُوتِ عِنْدَ الخُطْبَةِ، وهَذا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ وعَطاءٍ، وهَذا القَوْلُ مَنقُولٌ عَنِ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ قَدِ اسْتَبْعَدَ هَذا القَوْلَ، وقالَ: اللَّفْظُ عامٌّ وكَيْفَ يَجُوزُ قَصْرُهُ عَلى هَذِهِ الصُّورَةِ الواحِدَةِ. وأقُولُ هَذا القَوْلُ في غايَةِ البُعْدِ لِأنَّ لَفْظَةَ إذا تُفِيدُ الِارْتِباطَ ولا تُفِيدُ التَّكْرارَ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ الرَّجُلَ إذا قالَ لِامْرَأتِهِ إذا دَخَلْتِ الدّارَ فَأنْتِ طالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدّارَ مَرَّةً واحِدَةً طُلِّقَتْ طَلْقَةً واحِدَةً، فَإذا دَخَلَتِ الدّارَ ثانِيًا لَمْ تُطَلَّقْ بِالِاتِّفاقِ لِأنَّ كَلِمَةَ (إذا) لا تُفِيدُ التَّكْرارَ.
إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ لا يُفِيدُ إلّا وُجُوبَ الإنْصاتِ مَرَّةً واحِدَةً، فَلَمّا أوْجَبْنا الِاسْتِماعَ عِنْدَ قِراءَةِ القُرْآنِ في الخُطْبَةِ، فَقَدْ وفَّيْنا بِمُوجَبِ اللَّفْظِ ولَمْ يَبْقِ في اللَّفْظِ دَلالَةٌ عَلى ما وراءَ هَذِهِ الصُّورَةِ، سَلَّمْنا أنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ العُمُومَ إلّا أنّا نَقُولُ بِمُوجَبِ الآيَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ عِنْدَ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَسْكُتُ الإمامُ، وحِينَئِذٍ يَقْرَأُ المَأْمُومُ الفاتِحَةَ في حالِ سَكْتَةِ الإمامِ، كَما قالَ أبُو سَلَمَةَ: لِلْإمامِ سَكْتَتانِ، فاغْتَنِمِ القِراءَةَ في أيِّهِما شِئْتَ، وهَذا السُّؤالُ أوْرَدَهُ الواحِدِيُّ في ”البَسِيطِ“ .
ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: سُكُوتُ الإمامِ إمّا أنْ نَقُولَ: إنَّهُ مِنَ الواجِباتِ أوْ لَيْسَ مِنَ الواجِباتِ، والأوَّلُ باطِلٌ بِالإجْماعِ والثّانِي يَقْتَضِي أنْ يَجُوزَ لَهُ أنْ لا يَسْكُتَ. فَبِتَقْدِيرِ: أنْ لا يَسْكُتَ يَلْزَمُ أنْ تَحْصُلَ قِراءَةُ المَأْمُومِ مَعَ قِراءَةِ الإمامِ، وذَلِكَ يُفْضِي إلى تَرْكِ الِاسْتِماعِ، وإلى تَرْكِ السُّكُوتِ عِنْدَ قِراءَةِ الإمامِ، وذَلِكَ عَلى خِلافِ النَّصِّ، وأيْضًا فَهَذا السُّكُوتُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ ومِقْدارٌ مَخْصُوصٌ، والسَّكْتَةُ لِلْمَأْمُومِينَ مُخْتَلِفَةٌ بِالثِّقَلِ والخِفَّةِ، فَرُبَّما لا يَتَمَكَّنُ المَأْمُومُ مِن إتْمامِ قِراءَةِ الفاتِحَةِ في مِقْدارِ سُكُوتِ الإمامِ، وحِينَئِذٍ يَلْزَمُ المَحْذُورُ المَذْكُورُ، وأيْضًا فالإمامُ إنَّما يَبْقى ساكِتًا لِيَتَمَكَّنَ المَأْمُومُ مِن إتْمامِ القِراءَةِ، وحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ الإمامُ مَأْمُومًا، والمَأْمُومُ إمامًا، لِأنَّ الإمامَ في هَذا السُّكُوتِ يَصِيرُ كالتّابِعِ لِلْمَأْمُومِ، وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا السُّؤالَ الَّذِي أوْرَدَهُ الواحِدِيُّ غَيْرُ جائِزٍ، وذَكَرَ الواحِدِيُّ سُؤالًا ثانِيًا عَلى التَّمَسُّكِ بِالآيَةِ، فَقالَ: إنَّ الإنْصاتَ هو تَرْكُ الجَهْرِ، والعَرَبُ تُسَمِّي تارِكَ الجَهْرِ مُنْصِتًا، وإنْ كانَ يَقْرَأُ في نَفْسِهِ إذا لَمْ يُسْمِعْ أحَدًا.
ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَعالى أمَرَهُ أوَّلًا بِالِاسْتِماعِ، واشْتِغالُهُ بِالقِراءَةِ يَمْنَعُهُ مِنَ الِاسْتِماعِ، لِأنَّ السَّماعَ غَيْرٌ، والِاسْتِماعَ غَيْرٌ، فالِاسْتِماعُ عِبارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِذَلِكَ الكَلامِ المَسْمُوعِ عَلى الوَجْهِ الكامِلِ، قالَ تَعالى لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وأنا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾ [طه: ١٣] والمُرادُ ما ذَكَرْناهُ، وإذا ثَبَتَ هَذا وظَهَرَ أنَّ الِاشْتِغالَ بِالقِراءَةِ مِمّا يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِماعِ عَلِمْنا أنَّ الأمْرَ بِالِاسْتِماعِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنِ القِراءَةِ.
السُّؤالُ الثّالِثُ وهو المُعْتَمَدُ أنْ نَقُولَ: الفُقَهاءُ أجْمَعُوا عَلى أنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ فَهَبْ أنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ يُوجِبُ سُكُوتَ المَأْمُومِ عِنْدَ قِراءَةِ الإمامِ، إلّا أنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«لا صَلاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بِفاتِحَةِ الكِتابِ» “، وقَوْلَهُ: ”«لا صَلاةَ إلّا بِفاتِحَةِ الكِتابِ» “ أخَصُّ مِن ذَلِكَ العُمُومِ، وثَبَتَ أنَّ تَخْصِيصَ عُمُومِ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ لازِمٌ فَوَجَبَ المَصِيرُ إلى تَخْصِيصِ عُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ بِهَذا الخَبَرِ، وهَذا السُّؤالُ حَسَنٌ.
والسُّؤالُ الرّابِعُ: أنْ نَقُولَ: مَذْهَبُ مالِكٍ وهو القَوْلُ القَدِيمُ لِلشّافِعِيِّ أنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أنْ يَقْرَأ الفاتِحَةَ في الصَّلَواتِ الجَهْرِيَّةِ، عَمَلًا بِمُقْتَضى هَذا النَّصِّ، ويَجِبُ عَلَيْهِ القِراءَةُ في الصَّلَواتِ السِّرِّيَّةِ، لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ لا دَلالَةَ فِيها عَلى هَذِهِ الحالَةِ، وهَذا أيْضًا سُؤالٌ حَسَنٌ.
وفِي الآيَةِ قَوْلٌ خامِسٌ وهو أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (p-٨٥)﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ خِطابٌ مَعَ الكُفّارِ في ابْتِداءِ التَّبْلِيغِ ولَيْسَ خِطابًا مَعَ المُسْلِمِينَ، وهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ مُناسِبٌ، وتَقْرِيرُهُ أنَّ اللَّهَ تَعالى حَكى قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ أقْوامًا مِنَ الكُفّارِ يَطْلُبُونَ آياتٍ مَخْصُوصَةً ومُعْجِزاتٍ مَخْصُوصَةً، فَإذا كانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يَأْتِيهِمْ بِها قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها، فَأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أنْ يَقُولَ جَوابًا عَنْ كَلامِهِمْ إنَّهُ لَيْسَ لِي أنْ أقْتَرِحَ عَلى رَبِّي، ولَيْسَ لِي إلّا أنْ أنْتَظِرَ الوَحْيَ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّما تَرَكَ الإتْيانَ بِتِلْكَ المُعْجِزاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوها في صِحَّةِ النُّبُوَّةِ، لِأنَّ القُرْآنَ مُعْجِزَةٌ تامَّةٌ كافِيَةٌ في إثْباتِ النُّبُوَّةِ وعَبَّرَ اللَّهُ تَعالى عَنْ هَذا المَعْنى بِقَوْلِهِ: ﴿هَذا بَصائِرُ مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فَلَوْ قُلْنا إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ المُرادُ مِنهُ قِراءَةُ المَأْمُومِ خَلْفَ الإمامِ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ ما قَبْلَها تَعَلُّقٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وانْقَطَعَ النَّظْمُ، وحَصَلَ فَسادُ التَّرْتِيبِ، وذَلِكَ لا يَلِيقُ بِكَلامِ اللَّهِ تَعالى، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ شَيْئًا آخَرَ سِوى هَذا الوَجْهِ، وتَقْرِيرُهُ أنَّهُ لَمّا ادَّعى كَوْنَ القُرْآنِ بَصائِرَ وهُدًى ورَحْمَةً مِن حَيْثُ إنَّهُ مُعْجِزَةٌ دالَّةٌ عَلى صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكَوْنُهُ كَذَلِكَ لا يَظْهَرُ إلّا بِشَرْطٍ مَخْصُوصٍ، وهو أنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذا قَرَأ القُرْآنَ عَلى أُولَئِكَ الكُفّارِ اسْتَمَعُوا لَهُ وأنْصَتُوا حَتّى يَقِفُوا عَلى فَصاحَتِهِ، ويُحِيطُوا بِما فِيهِ مِنَ العُلُومِ الكَثِيرَةِ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهم كَوْنُهُ مُعْجِزًا دالًّا عَلى صِدْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَيَسْتَعِينُوا بِهَذا القُرْآنِ عَلى طَلَبِ سائِرِ المُعْجِزاتِ، ويَظْهَرُ لَهم صِدْقُ قَوْلِهِ في صِفَةِ القُرْآنِ أنَّهُ (بَصائِرُ وهُدًى ورَحْمَةٌ) فَثَبَتَ أنّا إذا حَمَلْنا الآيَةَ عَلى هَذا الوَجْهِ اسْتَقامَ النَّظْمُ وحَصَلَ التَّرْتِيبُ الحَسَنُ المُفِيدُ، ولَوْ حَمَلْنا الآيَةَ عَلى مَنعِ المَأْمُومِ مِنَ القِراءَةِ خَلْفَ الإمامِ فَسَدَ النَّظْمُ واخْتَلَّ التَّرْتِيبُ، فَثَبَتَ أنَّ حَمْلَهُ عَلى ما ذَكَرْناهُ أوْلى، وإذا ثَبَتَ هَذا ظَهَرَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ خِطابٌ مَعَ الكُفّارِ عِنْدَ قِراءَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ في مَعْرِضِ الِاحْتِجاجِ بِكَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، وعِنْدَ هَذا يَسْقُطُ اسْتِدْلالُ الخُصُومِ بِهَذِهِ الآيَةِ مِن كُلِّ الوُجُوهِ، ومِمّا يُقَوِّي أنَّ حَمْلَ الآيَةِ عَلى ما ذَكَرْناهُ أوْلى، وُجُوهٌ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى حَكى عَنِ الكُفّارِ أنَّهم قالُوا: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكم تَغْلِبُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: ٢٦] فَلَمّا حَكى عَنْهم ذَلِكَ ناسَبَ أنْ يَأْمُرَهم بِالِاسْتِماعِ والسُّكُوتِ حَتّى يُمْكِنَهُمُ الوُقُوفُ عَلى ما في القُرْآنِ مِنَ الوُجُوهِ الكَثِيرَةِ البالِغَةِ إلى حَدِّ الإعْجازِ.
والوَجْهُ الثّانِي: أنَّهُ تَعالى قالَ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿هَذا بَصائِرُ مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فَحَكَمَ تَعالى بِكَوْنِ هَذا القُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى سَبِيلِ القَطْعِ والجَزْمِ.
ثُمَّ قالَ: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ولَوْ كانَ المُخاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ هُمُ المُؤْمِنُونَ لَما قالَ: ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ لِأنَّهُ جَزَمَ تَعالى قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ بِكَوْنِ القُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ مِن غَيْرِ فَصْلٍ لَعَلَّ اسْتِماعَ القُرْآنِ يَكُونُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ؟ أمّا إذا قُلْنا: إنَّ المُخاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ هُمُ الكافِرُونَ، صَحَّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ لِأنَّ المَعْنى؛ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا فَلَعَلَّكم تَطَّلِعُونَ عَلى ما فِيهِ مِن دَلائِلِ الإعْجازِ، فَتُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ فَتَصِيرُوا مَرْحُومِينَ، فَثَبَتَ أنّا لَوْ حَمَلْناهُ عَلى ما قُلْناهُ حَسُنَ قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ولَوْ قُلْنا إنَّ الخِطابَ خِطابٌ مَعَ المُؤْمِنِينَ لَمْ يَحْسُنْ ذِكْرُ لَفْظِ ”لَعَلَّ“ فِيهِ. فَثَبَتَ أنَّ حَمْلَ الآيَةِ عَلى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْناهُ أوْلى، وحِينَئِذٍ يَسْقُطُ (p-٨٦)اسْتِدْلالُ الخَصْمِ بِهِ مِن كُلِّ الوُجُوهِ، لِأنّا بَيَّنّا بِالدَّلِيلِ أنَّ هَذا الخِطابَ ما يَتَناوَلُ المُؤْمِنِينَ، وإنَّما تَناوَلَ الكُفّارَ في أوَّلِ زَمانِ تَبْلِيغِ الوَحْيِ والدَّعْوَةِ.
{"ayah":"وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُوا۟ لَهُۥ وَأَنصِتُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











