الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إنَّما أتَّبِعُ ما يُوحى إلَيَّ مِن رَبِّي هَذا بَصائِرُ مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى: لَمّا بَيَّنَ في الآيَةِ الأُولى أنَّ شَياطِينَ الجِنِّ والإنْسِ لا يُقْصِرُونَ في الإغْواءِ والإضْلالِ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ نَوْعًا مِن أنْواعِ الإغْواءِ والإضْلالِ وهو أنَّهم كانُوا يَطْلُبُونَ آياتٍ مُعَيَّنَةً ومُعْجِزاتٍ مَخْصُوصَةً عَلى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ كَقَوْلِهِ: ﴿وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسْراءِ: ٩٠] ثُمَّ أعادَ: أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما كانَ يَأْتِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالُوا: ﴿لَوْلا اجْتَبَيْتَها﴾ قالَ الفَرّاءُ: تَقُولُ العَرَبُ اجْتَبَيْتُ الكَلامَ واخْتَلَقْتُهُ وارْتَجَلْتُهُ إذا افْتَعَلْتَهُ مِن قِبَلِ نَفْسِكَ، والمَعْنى لَوْلا تَقَوَّلْتَها وافْتَعَلْتَها وجِئْتَ بِها مِن عِنْدِ نَفْسِكَ لِأنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: ﴿ما هَذا إلّا إفْكٌ مُفْتَرًى﴾ [سَبَأٍ: ٤٣] أوْ يُقالُ هَلّا اقْتَرَحْتَها عَلى إلَهِكَ ومَعْبُودِكَ إنْ كُنْتَ صادِقًا في أنَّ اللَّهَ (p-٨٣)يَقْبَلُ دُعاءَكَ ويُجِيبُ التِماسَكَ ! وعِنْدَ هَذا أمَرَ رَسُولَهُ أنْ يَذْكُرَ الجَوابَ الشّافِيَ، وهو قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إنَّما أتَّبِعُ ما يُوحى إلَيَّ مِن رَبِّي﴾ ومَعْناهُ لَيْسَ لِي أنْ أقْتَرِحَ عَلى رَبِّي في أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، وإنَّما أنْتَظِرُ الوَحْيَ فَكُلُّ شَيْءٍ أكْرَمَنِي بِهِ قُلْتُهُ، وإلّا فالواجِبُ السُّكُوتُ وتَرْكُ الِاقْتِراحِ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ عَدَمَ الإتْيانِ بِتِلْكَ المُعْجِزاتِ الَّتِي اقْتَرَحَها لا يَقْدَحُ في الغَرَضِ، لِأنَّ ظُهُورَ القُرْآنِ عَلى وفْقِ دَعْواهُ مُعْجِزَةٌ بالِغَةٌ باهِرَةٌ، فَإذا ظَهَرَتْ هَذِهِ المُعْجِزَةُ الواحِدَةُ كانَتْ كافِيَةً في تَصْحِيحِ النُّبُوَّةِ، فَكانَ طَلَبُ الزِّيادَةِ مِن بابِ التَّعَنُّتِ، فَذَكَرَ في وصْفِ القُرْآنِ ألْفاظًا ثَلاثَةً: أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿هَذا بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ أصْلُ البَصِيرَةِ الإبْصارُ، ولَمّا كانَ القُرْآنُ سَبَبًا لِبَصائِرِ العُقُولِ في دَلائِلِ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ، أطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ البَصِيرَةِ، تَسْمِيَةً لِلسَّبَبِ بِاسْمِ المُسَبِّبِ. وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿وهُدًى﴾ والفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ المَرْتَبَةِ وما قَبْلَها أنَّ النّاسَ في مَعارِفِ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ قِسْمانِ: أحَدُهُما: الَّذِينَ بَلَغُوا في هَذِهِ المَعارِفِ إلى حَيْثُ صارُوا كالمُشاهِدِينَ لَها وهم أصْحابُ عَيْنِ اليَقِينِ. والثّانِي: الَّذِينَ ما بَلَغُوا إلى ذَلِكَ الحَدِّ إلّا أنَّهم وصَلُوا إلى دَرَجاتِ المُسْتَدِلِّينَ، وهم أصْحابُ عِلْمِ اليَقِينِ، فالقُرْآنُ في حَقِّ الأوَّلِينَ وهُمُ السّابِقُونَ بَصائِرُ، وفي حَقِّ القِسْمِ الثّانِي وهُمُ المُقْتَصِدُونَ هَدًى، وفي حَقِّ عامَّةِ المُؤْمِنِينَ رَحْمَةٌ، ولَمّا كانَتِ الفِرَقُ الثَّلاثُ مِنَ المُؤْمِنِينَ لا جَرَمَ قالَ: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب