الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ في الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في الآيَةِ الأُولى أنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَدْ يَنْزَغُهُ الشَّيْطانُ وبَيَّنَ أنَّ عِلاجَ هَذِهِ الحالَةِ الِاسْتِعاذَةُ بِاللَّهِ، ثُمَّ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ حالَ المُتَّقِينَ يَزِيدُ عَلى حالِ الرَّسُولِ في هَذا البابِ، لِأنَّ الرَّسُولَ لا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الشَّيْطانِ إلّا النَّزْغُ الَّذِي هو كالِابْتِداءِ في الوَسْوَسَةِ، وجَوَّزَ في المُتَّقِينَ ما يَزِيدُ عَلَيْهِ وهو أنْ يَمَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ، وهَذا المَسُّ يَكُونُ لا مَحالَةَ أبْلَغَ مِنَ النَّزْغِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو والكِسائِيُّ (طَيْفٌ) بِغَيْرِ ألِفٍ، والباقُونَ﴿طائِفٌ﴾ بِالألِفِ. قالَ (p-٨١)الواحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفُوا في الطَّيْفِ فَقِيلَ إنَّهُ مَصْدٌ، وقالَ أبُو زَيْدٍ يُقالُ: طافَ يَطُوفُ طَوْفا وطَوافًا إذا أقْبَلَ وأدْبَرَ، وأطافَ يُطِيفُ إطافَةً إذا جَعَلَ يَسْتَدِيرُ بِالقَوْمِ ويَأْتِيهِمْ مِن نَواحِيهِمْ، وطافَ الخَيالُ يَطِيفُ طَيْفًا إذا ألَمَّ في المَنامِ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وجائِزٌ أنْ يَكُونَ طَيْفٌ أصْلُهُ طَيِّفٌ، إلّا أنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوا التَّشْدِيدَ، فَحَذَفُوا إحْدى الياءَيْنِ وأبْقَوْا ياءً ساكِنَةً، فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ هو مَصْدَرٌ، وعَلى ما قالَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ هو مِن بابٍ هَيْنٍ وهَيِّنٍ ومَيْتٍ ومَيِّتٍ، ويَشْهَدُ لِصِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ الأنْبارِيِّ قِراءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (إذا مَسَّهم طَيِّفٌ) بِالتَّشْدِيدِ، هَذا هو الأصْلُ في الطَّيْفِ، ثُمَّ سُمِّيَ الجُنُونُ والغَضَبُ والوَسْوَسَةُ طَيْفًا، لِأنَّهُ لَمَّةٌ مِن لَمَّةِ الشَّيْطانِ تُشْبِهُ لَمَّةَ الخَيالِ، قالَ الأزْهَرِيُّ: الطَّيْفُ في كَلامِ العَرَبِ الجُنُونُ، ثُمَّ قِيلَ لِلْغَضَبِ طَيْفٌ، لِأنَّ الغَضْبانَ يُشْبِهُ المَجْنُونَ، وأمّا الطّائِفُ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الطَّيْفِ، مِثْلَ العافِيَةِ والعاقِبَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا جاءَ المَصْدَرُ فِيهِ عَلى فاعِلٍ وفاعِلَةٍ، قالَ الفَرّاءُ في هَذِهِ الآيَةِ: الطّائِفُ والطَّيْفُ سَواءٌ، وهو ما كانَ كالخَيالِ الَّذِي يُلِمُّ بِالإنْسانِ، ومِنهم مَن قالَ: الطَّيْفُ كالخَطْرَةِ والطّائِفُ كالخاطِرِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اعْلَمْ أنَّ الغَضَبَ إنَّما يَهِيجُ بِالإنْسانِ إذا اسْتَقْبَحَ مِنَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِ عَمَلًا مِنَ الأعْمالِ، ثُمَّ اعْتَقَدَ في نَفْسِهِ كَوْنَهُ قادِرًا، واعْتَقَدَ في المَغْضُوبِ عَلَيْهِ كَوْنَهُ عاجِزًا عَنِ الدَّفْعِ، فَعِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الِاعْتِقاداتِ الثَّلاثَةِ إذا كانَ واقِعًا في ظُلُماتِ عالَمِ الأجْسامِ فَيَغْتَرُّ بِظَواهِرِ الأُمُورِ، فَأمّا إذا انْكَشَفَ لَهُ نُورٌ مِن عالَمِ الغَيْبِ زالَتْ هَذِهِ الِاعْتِقاداتُ الثَّلاثَةُ مِن جِهاتٍ كَثِيرَةٍ.
أمّا الِاعْتِقادُ الأوَّلُ: وهو اسْتِقْباحُ ذَلِكَ الفِعْلِ مِنَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَإذا انْكَشَفَ لَهُ أنَّهُ إنَّما أقْدَمَ عَلى ذَلِكَ العَمَلِ، لِأنَّهُ تَعالى خَلَقَ فِيهِ داعِيَةً جازِمَةً راسِخَةً، ومَتى خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ تِلْكَ الدّاعِيَةَ امْتَنَعَ مِنهُ أنْ لا يَقْدَمَ عَلى ذَلِكَ العَمَلِ، فَإذا تَجَلّى هَذا المَعْنى زالَ الغَضَبُ، وأيْضًا فَقَدْ يَخْطُرُ بِبالِ الإنْسانِ أنَّ اللَّهَ تَعالى عَلِمَ مِنهُ هَذِهِ الحالَةَ، ومَتى كانَ كَذَلِكَ فَلا سَبِيلَ لَهُ إلى تَرْكِها، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَفِرُّ غَضَبُهُ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «”مَن عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ في القَدَرِ هانَتْ عَلَيْهِ المَصائِبُ“» .
وأمّا الِاعْتِقادُ الثّانِي والثّالِثُ: وهو اعْتِقادُهُ في نَفْسِهِ كَوْنَهُ قادِرًا، وكَوْنَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِ عاجِزًا، فَهَذانِ الِاعْتِقادانِ أيْضًا فاسِدانِ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ يَعْتَقِدُ أنَّهُ كَمْ أساءَ في العَمَلِ، واللَّهُ كانَ قادِرًا عَلَيْهِ، وهو كانَ أسِيرًا في قَبْضَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ إنَّهُ تَجاوَزَ عَنْهُ.
وثانِيها: أنَّ المَغْضُوبَ عَلَيْهِ كَما أنَّهُ عاجِزٌ في يَدِ الغَضْبانِ، فَكَذَلِكَ الغَضْبانُ عاجِزٌ بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَةِ اللَّهِ.
وثالِثُها: أنْ يَتَذَكَّرَ الغَضْبانُ ما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِن تَرْكِ إمْضاءِ الغَضَبِ والرُّجُوعِ إلى تَرْكِ الإيذاءِ والإيحاشِ.
ورابِعُها: أنْ يَتَذَكَّرَ أنَّهُ إذا أمْضى الغَضَبَ وانْتَقَمَ كانَ شَرِيكًا لِلسِّباعِ المُؤْذِيَةِ والحَيّاتِ القاتِلَةِ، وإنْ تَرَكَ الِانْتِقامَ واخْتارَ العَفْوَ كانَ شَرِيكًا لِأكابِرِ الأنْبِياءِ والأوْلِياءِ.
وخامِسُها: أنْ يَتَذَكَّرَ أنَّهُ رُبَّما انْقَلَبَ ذَلِكَ الضَّعِيفُ قَوِيًّا قادِرًا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِمُ مِنهُ عَلى أسْوَأِ الوُجُوهِ، أمّا إذا عَفا كانَ ذَلِكَ إحْسانًا مِنهُ إلَيْهِ، وبِالجُمْلَةِ فالمُرادُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا﴾ ما ذَكَرْناهُ مِنَ الِاعْتِقاداتِ الثَّلاثَةِ، والمُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿تَذَكَّرُوا﴾ ما ذَكَرْناهُ مِنَ الوُجُوهِ الَّتِي تُفِيدُ ضَعْفَ تِلْكَ الِاعْتِقاداتِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ مَعْناهُ أنَّهُ إذا حَضَرَتْ هَذِهِ التَّذَكُّراتُ في عُقُولِهِمْ، فَفي الحالِ يَزُولُ مَسُّ طائِفِ الشَّيْطانِ، ويَحْصُلُ الِاسْتِبْصارُ والِانْكِشافُ والتَّجَلِّي ويَحْصُلُ الخَلاصُ مِن وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ مَعْنى (إذا) هَهُنا لِلْمُفاجَأةِ، كَقَوْلِكَ خَرَجْتُ فَإذا زَيْدٌ، وإذا في قَوْلِهِ: ﴿إذا مَسَّهُمْ﴾ يَسْتَدْعِي جَزاءً، كَقَوْلِكَ آتِيكَ إذا احْمَرَّ البُسْرُ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق