الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ فَأخْبَرَ أنَّ كَثِيرًا مِنَ الثَّقَلَيْنِ مَخْلُوقُونَ لِلنّارِ أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ لِيُبَيِّنَ أيْضًا أنَّ كَثِيرًا مِنهم مَخْلُوقُونَ لِلْجَنَّةِ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في قِصَّةِ مُوسى قَوْلَهُ: ﴿ومِن قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعْرافِ: ١٥٩ ] فَلَمّا أعادَ اللَّهُ تَعالى هَذا الكَلامَ هَهُنا حَمَلَهُ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ المُرادَ مِنهُ قَوْمُ مُحَمَّدٍ ﷺ، ورَوى قَتادَةُ وابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّها هَذِهِ الأُمَّةُ، ورُوِيَ أيْضًا أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - قالَ: («هَذِهِ فِيهِمْ وقَدْ أعْطى اللَّهُ قَوْمَ مُوسى مِثْلَها» ) وعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ أنَّهُ قالَ: قَرَأ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ فَقالَ: («إنَّ مِن أُمَّتِي قَوْمًا عَلى الحَقِّ حَتّى يَنْزِلَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ» ) وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - المُهاجِرِينَ والأنْصارَ. قالَ الجُبّائِيُّ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَخْلُو زَمانٌ البَتَّةَ عَمَّنْ يَقُومُ بِالحَقِّ ويَعْمَلُ بِهِ ويَهْدِي إلَيْهِ وأنَّهم لا يَجْتَمِعُونَ في شَيْءٍ مِنَ الأزْمِنَةِ عَلى الباطِلِ، لِأنَّهُ لا يَخْلُو إمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ زَمانَ وُجُودِ مُحَمَّدٍ ﷺ وهو الزَّمانُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ. أوِ المُرادُ أنَّهُ قَدْ حَصَلَ زَمانٌ مِنَ الأزْمِنَةِ حَصَلَ فِيهِ قَوْمٌ بِالصِّفَةِ المَذْكُورَةِ، أوِ المُرادُ ما ذَكَرْنا أنَّهُ لا يَخْلُو زَمانٌ مِنَ الأزْمِنَةِ عَنْ قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، والأوَّلُ باطِلٌ؛ لِأنَّهُ قَدْ كانَ ظاهِرًا لِكُلِّ النّاسِ أنَّ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ عَلى الحَقِّ، فَحَمْلُ الآيَةِ عَلى هَذا المَعْنى يُخْرِجُهُ عَنِ الفائِدَةِ، والثّانِي باطِلٌ أيْضًا؛ لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّهُ قَدْ حَصَلَ زَمانٌ ما في الأزْمِنَةِ الماضِيَةِ حَصَلَ فِيهِ جَمْعٌ مَنِ المُحِقِّينَ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا القِسْمُ الثّالِثُ. وهو أدَلُّ عَلى أنَّهُ ما خَلا زَمانٌ عَنْ قَوْمٍ مِنَ المُحِقِّينَ وأنَّ إجْماعَهم حُجَّةٌ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ إجْماعَ سائِرِ الأُمَمِ حُجَّةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب