الباحث القرآني

فَقالَ عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ وفِيهِ مَباحِثُ: البَحْثُ الأوَّلُ: العُتُوُّ عِبارَةٌ عَنِ الإباءِ والعِصْيانِ، وإذا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ فَقَدْ أطاعُوا؛ لِأنَّهم أبَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ ذَلِكَ فَلا بُدَّ مِن إضْمارٍ، والتَّقْدِيرُ: فَلَمّا عَتَوْا عَنْ تَرْكِ ما نُهُوا عَنْهُ، ثُمَّ حُذِفَ المُضافُ، وإذا أبَوْا تَرْكَ المَنهِيِّ كانَ ذَلِكَ ارْتِكابًا لِلْمَنهِيِّ. البَحْثُ الثّانِي: مِنَ النّاسِ مَن قالَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿قُلْنا لَهم كُونُوا قِرَدَةً﴾ لَيْسَ مِنَ المَقالِ، بَلِ المُرادُ مِنهُ: أنَّهُ تَعالى فَعَلَ ذَلِكَ. قالَ: وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠] هو بِمَعْنى الفِعْلِ لا الكَلامِ. وقالَ الزَّجّاجُ: أُمِرُوا بِأنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ بِقَوْلٍ سُمِعَ فَيَكُونُ أبْلَغَ. واعْلَمْ أنَّ حَمْلَ هَذا الكَلامِ عَلى هَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّ المَأْمُورَ بِالفِعْلِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلَيْهِ، والقَوْمُ ما كانُوا قادِرِينَ عَلى أنْ يَقْلِبُوا أنْفُسَهم قِرَدَةً. البَحْثُ الثّالِثُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أصْبَحَ القَوْمُ وهم قِرَدَةٌ صاغِرُونَ، فَمَكَثُوا كَذَلِكَ ثَلاثًا فَرَآهُمُ النّاسُ ثُمَّ هَلَكُوا. ونُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أنَّ شَبابَ القَوْمِ صارُوا قِرَدَةً، والشُّيُوخَ خَنازِيرَ، وهَذا القَوْلُ عَلى خِلافِ الظّاهِرِ. واخْتَلَفُوا في أنَّ الَّذِينَ مُسِخُوا هَلْ بَقُوا قِرَدَةً ؟ وهَلْ هَذِهِ القِرَدَةُ مِن نَسْلِهِمْ أوْ هَلَكُوا، وانْقَطَعَ نَسْلُهم ؟ ولا دَلالَةَ في الآيَةِ عَلَيْهِ، والكَلامُ في المَسْخِ وما فِيهِ مِنَ المُباحَثاتِ قَدْ سَبَقَ بِالِاسْتِقْصاءِ في سُورَةِ البَقَرَةِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب