الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْألْهم عَنِ القَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهم يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ القِصَّةَ أيْضًا مَذْكُورَةٌ في سُورَةِ البَقَرَةِ. وفِيها مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْألْهُمْ﴾ المَقْصُودُ تَعْرِفُ هَذِهِ القِصَّةَ مِن قَبْلِهِمْ؛ لِأنَّ هَذِهِ القِصَّةَ قَدْ صارَتْ مَعْلُومَةً لِلرَّسُولِ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى، وإنَّما المَقْصُودُ مِن ذِكْرِ هَذا السُّؤالِ أحَدُ أشْياءَ:
الأوَّلُ: أنَّ المَقْصُودَ مِن ذِكْرِ هَذا السُّؤالِ تَقْرِيرُ أنَّهم كانُوا قَدْ أقْدَمُوا عَلى هَذا الذَّنْبِ القَبِيحِ والمَعْصِيَةِ الفاحِشَةِ تَنْبِيهًا لَهم عَلى أنَّ إصْرارَهم عَلى الكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وبِمُعْجِزاتِهِ لَيْسَ شَيْئًا حَدَثَ في هَذا الزَّمانِ، بَلْ هَذا الكُفْرُ والإصْرارُ كانَ حاصِلًا في أسْلافِهِمْ مِنَ الزَّمانِ القَدِيمِ.
والفائِدَةُ الثّانِيَةُ: أنَّ الإنْسانَ قَدْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: هَلْ هَذا الأمْرُ كَذا وكَذا ؟ لِيَعْرِفَ بِذَلِكَ أنَّهُ مُحِيطٌ بِتِلْكَ الواقِعَةِ، وغَيْرُ ذاهِلٍ عَنْ دَقائِقِها، ولَمّا كانَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا أُمِّيًّا لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمًا، ولَمْ يُطالِعْ كِتابًا، ثُمَّ أنَّهُ يَذْكُرُ هَذِهِ القَصَصَ عَلى وجْهِها مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ ولا زِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ، كانَ ذَلِكَ جارِيًا مَجْرى المُعْجِزِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الأكْثَرُونَ عَلى أنَّ تِلْكَ القَرْيَةَ أيْلَةُ. وقِيلَ: مَدْيَنُ. وقِيلَ: طَبَرِيَّةُ، والعَرَبُ تُسَمِّي المَدِينَةَ قَرْيَةً، وعَنْ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ: ما رَأيْتُ قَرَوِيِّينَ أفْصَحَ مِنَ الحَسَنِ والحَجّاجِ يَعْنِي رَجُلَيْنِ مِن أهْلِ المُدُنِ، وقَوْلُهُ: ﴿كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ﴾ يَعْنِي قَرِيبَةً مِنَ البَحْرِ وبِقُرْبِهِ وعَلى شاطِئِهِ، والحُضُورُ نَقِيضُ الغَيْبَةِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ [البقرة: ١٩٦] .
وقَوْلُهُ: ﴿إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ﴾ يَعْنِي يُجاوِزُونَ حَدَّ اللَّهِ فِيهِ، وهو اصْطَيادُهم يَوْمَ السَّبْتِ وقَدْ نُهُوا عَنْهُ، وقُرِئَ ”يَعَدُّونَ“ بِمَعْنى يَعْتَدُونَ أُدْغِمَتِ التّاءُ في الدّالِ ونُقِلَتْ حَرَكَتُها إلى العَيْنِ ”يُعِدُّونَ“ مِنَ الإعْدادِ وكانُوا يُعِدُّونَ آلاتِ الصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ وهم مَأْمُورُونَ بِأنْ لا يَشْتَغِلُوا فِيهِ بِغَيْرِ العِبادَةِ و”السَّبْتُ“ مَصْدَرُ سَبَتَتِ اليَهُودُ إذا عَظَّمَتْ سَبْتَها، فَقَوْلُهُ: ﴿إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ﴾ مَعْناهُ يَعْدُونَ في تَعْظِيمِ هَذا اليَوْمِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ سَبْتِهِمْ﴾ مَعْناهُ: يَوْمَ تَعْظِيمِهِمْ أمْرَ السَّبْتِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ﴾ ويُؤَكِّدُهُ أيْضًا قِراءَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ ”يَوْمَ أسْباتِهِمْ“، وقُرِئَ ”لا يَسْبُتُونَ“ بِضَمِّ الباءِ، وقَرَأ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ”لا يُسْبِتُونَ“ بِضَمِّ الياءِ مَن أسْبَتُوا، وعَنِ الحَسَنِ ”لا يُسْبَتُونَ“ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، وقَوْلُهُ: ﴿إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ﴾ نُصِبَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَعْدُونَ﴾ والمَعْنى: سَلْهم إذْ عَدُوا في وقْتِ الإتْيانِ، وقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ أيْ ظاهِرَةً عَلى الماءِ، وشُرَّعٌ جَمْعُ شارِعٍ وشارِعَةٍ، وكُلُّ شَيْءٍ دانَ مِن شَيْءٍ فَهو شارِعٌ، ودارٌ شارِعَةٌ أيْ دَنَتْ مِنَ الطَّرِيقِ، ونُجُومٌ شارِعَةٌ أيْ دَنَتْ مِنَ المَغِيبِ. وعَلى هَذا فالحِيَتانُ كانَتْ تَدْنُو مِنَ القَرْيَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهم صَيْدُها، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: إنِّ اليَهُودَ أُمِرُوا بِاليَوْمِ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ - يَوْمُ الجُمُعَةِ - فَتَرَكُوهُ واخْتارُوا السَّبْتَ فابْتَلاهُمُ اللَّهُ بِهِ وحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الصَّيْدُ (p-٣٢)فِيهِ وأُمِرُوا بِتَعْظِيمِهِ، فَإذا كانَ يَوْمُ السَّبْتِ شَرَعَتْ لَهُمُ الحِيتانُ يَنْظُرُونَ إلَيْها في البَحْرِ. فَإذا انْقَضى السَّبْتُ ذَهَبَتْ وما تَعُودُ إلّا في السَّبْتِ المُقْبِلِ. وذَلِكَ بَلاءٌ ابْتَلاهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ﴾ .
وقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ البَلاءِ الشَّدِيدِ نَبْلُوهم بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن أطاعَ اللَّهَ تَعالى خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ أحْوالَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، ومَن عَصا ابْتَلاهُ بِأنْواعِ البَلاءِ والمِحَنِ، واحْتَجَّ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يَجِبُ عَلَيْهِ رِعايَةُ الصَّلاحِ والأصْلَحِ لا في الدِّينِ ولا في الدُّنْيا؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى عَلِمَ أنَّ تَكْثِيرَ الحِيتانِ يَوْمَ السَّبْتِ رُبَّما يَحْمِلُهم عَلى المَعْصِيَةِ والكُفْرِ، فَلَوْ وجَبَ عَلَيْهِ رِعايَةُ الصَّلاحِ والأصْلَحِ؛ لَوَجَبَ أنْ لا يُكْثِرَ هَذِهِ الحِيتانَ في ذَلِكَ اليَوْمِ صَوْنًا لَهم عَنْ ذَلِكَ الكُفْرِ والمَعْصِيَةِ. فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ، ولَمْ يُبالِ بِكُفْرِهِمْ ومَعْصِيَتِهِمْ عَلِمْنا أنَّ رِعايَةَ الصَّلاحِ والأصْلَحِ غَيْرُ واجِبَةٍ عَلى اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلَّتِی كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ یَعۡدُونَ فِی ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِیهِمۡ حِیتَانُهُمۡ یَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعࣰا وَیَوۡمَ لَا یَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِیهِمۡۚ كَذَ ٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق