الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ وكُلُوا مِنها حَيْثُ شِئْتُمْ وقُولُوا حِطَّةٌ وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكم خَطِيئاتِكم سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾ ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهم قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهم فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ القِصَّةَ أيْضًا مَذْكُورَةٌ مَعَ الشَّرْحِ والبَيانِ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
بَقِيَ أنْ يُقالَ: إنَّ ألْفاظَ هَذِهِ الآيَةِ تُخالِفُ ألْفاظَ الآيَةِ الَّتِي في سُورَةِ البَقَرَةِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وإذْ قُلْنا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ﴾ [البقرة: ٥٨] وهَهُنا قالَ: ﴿وإذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ﴾ .
والثّانِي: أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿فَكُلُوا﴾ بِالفاءِ، وهَهُنا﴿وكُلُوا﴾ بِالواوِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿رَغَدًا﴾ وهَذِهِ الكَلِمَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ في هَذِهِ السُّورَةِ.
والرّابِعُ: أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا وقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: ٥٨] وقالَ هَهُنا عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ.
والخامِسُ: أنَّهُ قالَ في البَقَرَةِ﴿نَغْفِرْ لَكم خَطاياكُمْ﴾ [البقرة: ٥٨] وقالَ هَهُنا: ﴿نَغْفِرْ لَكم خَطِيئاتِكُمْ﴾ .
والسّادِسُ: أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾ وهَهُنا حَذَفَ (p-٣٠)حَرْفَ الواوِ.
والسّابِعُ: أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: ٥٩] وقالَ هَهُنا: ﴿فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ .
والثّامِنُ: أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: ٥٩] وقالَ هَهُنا: ﴿بِما كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الألْفاظَ مُتَقارِبَةٌ ولا مُنافاةَ بَيْنَها البَتَّةَ، ويُمْكِنُ ذِكْرُ فَوائِدِ هَذِهِ الألْفاظِ المُخْتَلِفَةِ.
أمّا الأوَّلُ: وهو أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ﴾ [البقرة: ٥٨] وقالَ هَهُنا: ﴿اسْكُنُوا﴾ فالفَرْقُ أنَّهُ لا بُدَّ مِن دُخُولِ القَرْيَةِ أوَّلًا، ثُمَّ سُكُونِها ثانِيًا.
وأمّا الثّانِي: فَهو أنَّهُ تَعالى قالَ في البَقَرَةِ: ﴿ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا﴾ [البقرة: ٥٨] بِالفاءِ. وقالَ هَهُنا: ﴿اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ وكُلُوا﴾ بِالواوِ، والفَرْقُ أنَّ الدُّخُولَ حالَةٌ مَخْصُوصَةٌ، كَما يُوجَدُ بَعْضُها يَنْعَدِمُ. فَإنَّهُ إنَّما يَكُونُ داخِلًا في أوَّلِ دُخُولِهِ، وأمّا ما بَعْدُ ذَلِكَ فَيَكُونُ سُكُونًا لا دُخُولًا.
إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: الدُّخُولُ حالَةٌ مُنْقَضِيَةٌ زائِلَةٌ ولَيْسَ لَها اسْتِمْرارٌ. فَلا جَرَمَ يَحْسُنُ ذِكْرُ فاءِ التَّعْقِيبِ بَعْدَهُ، فَلِهَذا قالَ: ﴿ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ﴾ وأمّا السُّكُونُ فَحالَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ باقِيَةٌ. فَيَكُونُ الأكْلُ حاصِلًا مَعَهُ لا عَقِيبَهُ فَظَهَرَ الفَرْقُ.
وأمّا الثّالِثُ: وهو أنَّهُ ذَكَرَ في سُورَةِ البَقَرَةِ﴿رَغَدًا﴾ وما ذَكَرَهُ هُنا، فالفَرْقُ أنَّ الأكْلَ عَقِيبَ دُخُولِ القَرْيَةِ يَكُونُ ألَذَّ؛ لِأنَّ الحاجَةَ إلى ذَلِكَ الأكْلِ كانَتْ أكْمَلَ وأتَمَّ، ولَمّا كانَ ذَلِكَ الأكْلُ ألَذَّ لا جَرَمَ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُ: ﴿رَغَدًا﴾ وأمّا الأكْلُ حالَ سُكُونِ القَرْيَةِ، فالظّاهِرُ أنَّهُ لا يَكُونُ في مَحَلِّ الحاجَةِ الشَّدِيدَةِ ما لَمْ تَكُنِ اللَّذَّةُ فِيهِ مُتَكامِلَةً، فَلا جَرَمَ تَرَكَ قَوْلَهُ: ﴿رَغَدًا﴾ فِيهِ.
وأمّا الرّابِعُ: وهو قَوْلُهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا وقُولُوا حِطَّةٌ﴾ وفي سُورَةِ الأعْرافِ عَلى العَكْسِ مِنهُ، فالمُرادُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّهُ يَحْسُنُ تَقْدِيمُ كُلِّ واحِدٍ مِن هَذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ عَلى الآخَرِ، إلّا أنَّهُ لَمّا كانَ المَقْصُودُ مِنهُما تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعالى، وإظْهارَ الخُضُوعِ والخُشُوعِ لَمْ يَتَفاوَتِ الحالُ بِحَسَبِ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ.
وأمّا الخامِسُ: وهو أنَّهُ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿خَطاياكُمْ﴾ وقالَ هَهُنا: ﴿خَطِيئاتِكُمْ﴾ فَهو إشارَةٌ إلى أنَّ هَذِهِ الذُّنُوبَ سَواءٌ كانَتْ قَلِيلَةً أوْ كَثِيرَةً، فَهي مَغْفُورَةٌ عِنْدَ الإتْيانِ بِهَذا الدُّعاءِ والتَّضَرُّعِ.
وأمّا السّادِسُ: وهو أنَّهُ تَعالى قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وسَنَزِيدُ﴾ بِالواوِ، وهَهُنا حَذَفَ الواوَ فالفائِدَةُ في حَذْفِ الواوِ أنَّهُ اسْتِئْنافٌ، والتَّقْدِيرُ: كَأنَّ قائِلًا قالَ: وماذا حَصَلَ بَعْدَ الغُفْرانِ ؟ فَقِيلَ لَهُ﴿سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾ .
وأمّا السّابِعُ: وهو الفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿فَأنْزَلْنا﴾ وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿فَأرْسَلْنا﴾ فَلِأنَّ الإنْزالَ لا يُشْعِرُ بِالكَثْرَةِ، والإرْسالَ يُشْعِرُ بِها، فَكَأنَّهُ تَعالى بَدَأ بِإنْزالِ العَذابِ القَلِيلِ، ثُمَّ جَعَلَهُ كَثِيرًا، وهو نَظِيرُ ما ذَكَرْناهُ في الفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿فانْبَجَسَتْ﴾ وبَيْنَ قَوْلِهِ: (فانْفَجَرَتْ) .
وأمّا الثّامِنُ: وهو الفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿يَظْلِمُونَ﴾ وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿يَفْسُقُونَ﴾ فَذَلِكَ لِأنَّهم مَوْصُوفُونَ بِكَوْنِهِمْ ظالِمِينَ، لِأجْلِ أنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم، وبِكَوْنِهِمْ فاسِقِينَ، لِأجْلِ أنَّهم خَرَجُوا عَنْ طاعَةِ اللَّهِ تَعالى، فالفائِدَةُ في ذِكْرِ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ التَّنْبِيهُ عَلى حُصُولِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ، فَهَذا ما خَطَرَ بِالبالِ في ذِكْرِ فَوائِدِ هَذِهِ الألْفاظِ المُخْتَلِفَةِ، وتَمامِ العِلْمِ بِها عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayahs_start":161,"ayahs":["وَإِذۡ قِیلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ وَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ وَٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِیۤـَٔـٰتِكُمۡۚ سَنَزِیدُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ","فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ"],"ayah":"فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق