الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا وكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ ﴿والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِن بَعْدِها وآمَنُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
اعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ شَرْحُ حالِ مَن عَبَدَ العِجْلَ.
واعْلَمْ أنَّ المَفْعُولَ الثّانِيَ مِن مَفْعُولَيِ الِاتِّخاذِ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: اتَّخَذُوا العِجْلَ إلَهًا ومَعْبُودًا ويَدُلُّ عَلى هَذا المَحْذُوفِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى﴾ [طه: ٨٨] ولِلْمُفَسِّرِينَ في هَذِهِ الآيَةِ طَرِيقانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بِالَّذِينِ اتَّخَذُوا العِجْلَ هُمُ الَّذِينَ باشَرُوا عِبادَةَ العِجْلِ، وهُمُ الَّذِينَ قالَ فِيهِمْ: ﴿سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ﴾ وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ سُؤالٌ، وهو أنَّ أُولَئِكَ الأقْوامَ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ أنَّهم قَتَلُوا أنْفُسَهم في مَعْرِضِ التَّوْبَةِ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ، وإذا تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ في حَقِّهِمْ إنَّهُ﴿سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ ؟
والجَوابُ عَنْهُ: أنَّ ذَلِكَ الغَضَبَ إنَّما حَصَلَ في الدُّنْيا لا في الآخِرَةِ، وتَفْسِيرُ ذَلِكَ الغَضَبِ هو أنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَهم بِقَتْلِ أنْفُسِهِمْ، والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ هو أنَّهم قَدْ ضَلُّوا فَذَلُّوا.
فَإنْ قالُوا: السِّينُ في قَوْلِهِ: ﴿سَيَنالُهُمْ﴾ لِلِاسْتِقْبالِ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ هَذا عَلى حُكْمِ الدُّنْيا ؟
قُلْنا: هَذا الكَلامُ حِكايَةٌ عَمّا أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - حِينَ أخْبَرَهُ بِافْتِتانِ قَوْمِهِ واتِّخاذِهِمُ العِجْلَ، فَأخْبَرَهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ أنَّهُ سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا، فَكانَ هَذا الكَلامُ سابِقًا عَلى وُقُوعِهِمْ في القَتْلِ وفي الذِّلَّةِ، فَصَحَّ هَذا التَّأْوِيلُ مِن هَذا الِاعْتِبارِ.
والطَّرِيقُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالَّذِينِ اتَّخَذُوا العِجْلَ أبْناؤُهُمُ الَّذِينَ كانُوا في زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: فَفي الآيَةِ وجْهانِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ العَرَبَ تُعَيِّرُ الأبْناءَ بِقَبائِحِ أفْعالِ الآباءِ كَما تَفْعَلُ ذَلِكَ في المَناقِبِ. يَقُولُونَ لِلْأبْناءِ: فَعَلْتُمْ كَذا وكَذا، وإنَّما فَعَلَ ذَلِكَ مَن مَضى مِن آبائِهِمْ، فَكَذا هَهُنا وُصِفَ اليَهُودُ الَّذِينَ كانُوا في زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِاتِّخاذِ العِجْلِ، وإنْ كانَ آباؤُهم فَعَلُوا ذَلِكَ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهُ﴿سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ﴾ في الآخِرَةِ﴿وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ كَما قالَ تَعالى في صِفَتِهِمْ: ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة: ٦١] .
والوَجْهُ الثّانِي: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ﴾ أيِ الَّذِينَ باشَرُوا ذَلِكَ﴿سَيَنالُهم غَضَبٌ﴾ أيْ سَيَنالُ أوْلادُهم، ثُمَّ حَذَفَ المُضافَ بِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ.
(p-١٣)أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ فالمَعْنى أنَّ كُلَّ مُفْتَرٍ في دِينِ اللَّهِ فَجَزاؤُهُ غَضَبُ اللَّهِ والذِّلَّةُ في الدُّنْيا، قالَ مالِكُ بْنُ أنَسٍ: ما مِن مُبْتَدِعٍ إلّا ويَجِدُ فَوْقَ رَأْسِهِ ذِلَّةً، ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ، وذَلِكَ لِأنَّ المُبْتَدِعَ مُفْتَرٍ في دِينِ اللَّهِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِن بَعْدِها وآمَنُوا﴾ فَهَذا يُفِيدُ أنَّ مَن عَمِلَ السَّيِّئاتِ فَلا بُدَّ وأنْ يَتُوبَ عَنْها أوَّلًا، وذَلِكَ بِأنْ يَتْرُكَها أوَّلًا ويَرْجِعَ عَنْها، ثُمَّ يُؤْمِنَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وثانِيًا: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعالى، ويُصَدِّقُ بِأنَّهُ لا إلَهَ غَيْرُهُ﴿إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ السَّيِّئاتِ بِأسْرِها مُشْتَرِكَةٌ في أنَّ التَّوْبَةَ مِنها تُوجِبُ الغُفْرانَ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ﴾ يَتَناوَلُ الكُلَّ. والتَّقْدِيرُ: أنَّ مَن أتى بِجَمِيعِ السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابَ فَإنَّ اللَّهَ يَغْفِرُها لَهُ، وهَذا مِن أعْظَمِ ما يُفِيدُ البِشارَةَ والفَرَحَ لِلْمُذْنِبِينَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":152,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ سَیَنَالُهُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُفۡتَرِینَ","وَٱلَّذِینَ عَمِلُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوۤا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ سَیَنَالُهُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُفۡتَرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق