الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ أنْجَيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ يُقَتِّلُونَ أبْناءَكم ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكم وفي ذَلِكم بَلاءٌ مِن رَبِّكم عَظِيمٌ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُفَسَّرَةٌ في سُورَةِ البَقَرَةِ، والفائِدَةُ في ذِكْرِها في هَذا المَوْضِعِ أنَّهُ تَعالى هو الَّذِي أنْعَمَ عَلَيْكم بِهَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكُمُ الِاشْتِغالُ بِعِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى، واللَّهُ أعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وأتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً وقالَ مُوسى لِأخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي في قَوْمِي وأصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ .
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ أبُو عَمْرٍو: ”وعَدْنا“ بِغَيْرِ ألْفٍ، والباقُونَ ”واعَدْنا“ بِالألْفِ عَلى المُفاعَلَةِ، وقَدْ مَرَّ بَيانُ هَذِهِ القِراءَةِ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اعْلَمْ أنَّهُ رُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَدَ بَنِي إسْرائِيلَ وهو بِمِصْرَ: إنْ أهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهم أتاهم بِكِتابٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ فِيهِ بَيانُ ما يَأْتُونَ وما يَذَرُونَ، فَلَمّا هَلَكَ فِرْعَوْنُ سَألَ مُوسى رَبَّهُ الكِتابَ، فَهَذِهِ الآيَةُ في بَيانِ كَيْفِيَّةِ نُزُولِ التَّوْراةِ، واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وإذْ واعَدْنا مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [البقرة: ٥١] وذِكْرُ تَفْصِيلِ تِلْكَ الأرْبَعِينَ في هَذِهِ الآيَةِ.
فَإنْ قِيلَ: وما الحِكْمَةُ هَهُنا في ذِكْرِ الثَّلاثِينَ ثُمَّ إتْمامِها بِعَشْرٍ ؟ وأيْضًا فَقَوْلُهُ: ﴿فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ كَلامٌ عارٍ عَنِ الفائِدَةِ؛ لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ أنَّ الثَّلاثِينَ مَعَ العَشْرِ يَكُونُ أرْبَعِينَ.
قُلْنا: أمّا الجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الأوَّلِ فَهو مِن وُجُوهٍ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى أمَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِصَوْمِ ثَلاثِينَ يَوْمًا وهو شَهْرُ ذِي القَعْدَةِ فَلَمّا أتَمَّ الثَّلاثِينَ أنْكَرَ خُلُوفَ فِيهِ، فَتَسَوَّكَ، فَقالَتِ المَلائِكَةُ: كُنّا نَشَمُّ مِن فِيكَ رائِحَةَ المِسْكِ، فَأفْسَدْتَهُ بِالسِّواكِ، فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ: أما عَلِمْتَ أنَّ خُلُوفَ فَمِ الصّائِمِ أطْيَبُ عِنْدِي مِن رِيحِ المِسْكِ، فَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى أنْ يَزِيدَ عَلَيْها عَشَرَةَ أيّامٍ مِن ذِي الحِجَّةِ لِهَذا السَّبَبِ.
والوَجْهُ الثّانِي في فائِدَةِ هَذا التَّفْضِيلِ: أنَّ اللَّهَ أمَرَهُ أنْ يَصُومَ ثَلاثِينَ يَوْمًا، وأنْ يَعْمَلَ فِيها ما يُقَرِّبُهُ إلى اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ عَلَيْهِ في العَشْرِ البَواقِي، وكَلَّمَهُ أيْضًا فِيهِ. فَهَذا هو الفائِدَةُ في تَفْصِيلِ الأرْبَعِينَ إلى الثَّلاثِينَ وإلى العَشْرَةِ.
والوَجْهُ الثّالِثُ: ما ذَكَرَهُ أبُو مُسْلِمٍ الأصْفَهانِيُّ في سُورَةِ طه ما دَلَّ عَلى أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بادَرَ إلى مِيقاتِ رَبِّهِ قَبْلَ قَوْمِهِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يامُوسى﴾ ﴿قالَ هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ (p-١٨٥)[طه: ٨٣] فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ مُوسى أتى الطُّورَ عِنْدَ تَمامِ الثَّلاثِينَ، فَلَمّا أعْلَمَهُ اللَّهُ تَعالى خَبَرَ قَوْمِهِ مَعَ السّامِرِيِّ، رَجَعَ إلى قَوْمِهِ قَبْلَ تَمامِ ما وعَدَهُ اللَّهُ تَعالى، ثُمَّ عادَ إلى المِيقاتِ في عَشْرَةٍ أُخْرى، فَتَمَّ أرْبَعُونَ لَيْلَةً.
والوَجْهُ الرّابِعُ: قالَ بَعْضُهم لا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ الوَعْدُ الأوَّلُ حَضَرَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وحْدَهُ، والوَعْدُ الثّانِي حَضَرَ المُخْتارُونَ مَعَهُ لِيَسْمَعُوا كَلامَ اللَّهِ تَعالى، فَصارَ الوَعْدُ مُخْتَلِفًا لِاخْتِلافِ حالِ الحاضِرِينَ. واللَّهُ أعْلَمُ.
والجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الثّانِي: أنَّهُ تَعالى إنَّما قالَ: ﴿أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ إزالَةً لِتَوَهُّمِ أنَّ ذَلِكَ العَشْرَ مِنَ الثَّلاثِينَ؛ لِأنَّهُ يَحْتَمِلُ أتْمَمْناها بِعَشْرٍ مِنَ الثَّلاثِينَ، كَأنَّهُ كانَ عِشْرِينَ ثُمَّ أتَمَّهُ بِعَشْرٍ، فَصارَ ثَلاثِينَ، فَأزالَ هَذا الإيهامَ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ فَفِيهِ بَحْثانِ:
البَحْثُ الأوَّلُ: الفَرْقُ بَيْنَ المِيقاتِ وبَيْنَ الوَقْتِ أنَّ المِيقاتَ ما قُدِّرَ فِيهِ عَمَلٌ مِنَ الأعْمالِ، والوَقْتَ وقْتٌ لِلشَّيْءِ بِتَقْدِيرٍ مُقَدَّرٍ أوَّلًا.
والبَحْثُ الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ نَصْبٌ عَلى الحالِ أيْ تَمَّ بالِغًا هَذا العَدَدَ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وقالَ مُوسى لِأخِيهِ هارُونَ﴾ فَقَوْلُهُ: (هارُونَ) عَطْفُ بَيانٍ لِأخِيهِ، وقُرِئَ بِالضَّمِّ عَلى النِّداءِ ﴿اخْلُفْنِي في قَوْمِي﴾ كُنْ خَلِيفَتِي فِيهِمْ (وأصْلِحْ) وكُنْ مُصْلِحًا أوْ (وأصْلِحْ) ما يَجِبُ أنْ يَصْلُحَ مِن أُمُورِ بَنِي إسْرائِيلَ، ومَن دَعاكَ مِنهم إلى الإفْسادِ فَلا تَتْبَعْهُ ولا تُطِعْهُ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّ هارُونَ كانَ شَرِيكَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في النُّبُوَّةِ، فَكَيْفَ جَعَلَهُ خَلِيفَةً لِنَفْسِهِ، فَإنَّ شَرِيكَ الإنْسانِ أعْلى حالًا مِن خَلِيفَتِهِ، ورَدُّ الإنْسانِ مِنَ المَنصِبِ الأعْلى إلى الأدْوَنِ يَكُونُ إهانَةً.
قُلْنا: الأمْرُ وإنْ كانَ كَما ذَكَرْتُمْ، إلّا أنَّهُ كانَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ هو الأصْلَ في تِلْكَ النُّبُوَّةِ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا كانَ هارُونُ نَبِيًّا والنَّبِيُّ لا يَفْعَلُ إلّا الإصْلاحَ، فَكَيْفَ وصّاهُ بِالإصْلاحِ ؟ .
قُلْنا: المَقْصُودُ مِن هَذا الأمْرِ التَّأْكِيدُ، كَقَوْلِهِ: ﴿ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":141,"ayahs":["وَإِذۡ أَنجَیۡنَـٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ یُقَتِّلُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰلِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ","۞ وَوَ ٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِینَ لَیۡلَةࣰ وَأَتۡمَمۡنَـٰهَا بِعَشۡرࣲ فَتَمَّ مِیقَـٰتُ رَبِّهِۦۤ أَرۡبَعِینَ لَیۡلَةࣰۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِیهِ هَـٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِی فِی قَوۡمِی وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِیلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"],"ayah":"۞ وَوَ ٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِینَ لَیۡلَةࣰ وَأَتۡمَمۡنَـٰهَا بِعَشۡرࣲ فَتَمَّ مِیقَـٰتُ رَبِّهِۦۤ أَرۡبَعِینَ لَیۡلَةࣰۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِیهِ هَـٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِی فِی قَوۡمِی وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِیلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











