الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا وهو فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى حَكى عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهم لَمّا قالُوا لَهُ: ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ فَهو عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَ في الجَوابِ وُجُوهًا: أوَّلُها: أنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالجَهْلِ، فَقالَ: ﴿إنَّكم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ . وثانِيها: أنَّهُ قالَ: ﴿إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هم فِيهِ﴾ أيْ سَبَبٌ لِلْخُسْرانِ والهَلاكِ. وثالِثُها: أنَّهُ قالَ: ﴿وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أيْ هَذا العَمَلُ الشّاقُّ لا يُفِيدُهم نَفْعًا في الدُّنْيا والدِّينِ. ورابِعُها: ما ذَكَرَهُ في هَذِهِ الآيَةِ مِنَ التَّعَجُّبِ مِنهم عَلى وجْهٍ يُوجِبُ الإنْكارَ والتَّوْبِيخَ فَقالَ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا وهو فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ والمَعْنى: أنَّ الإلَهَ لَيْسَ شَيْئًا يُطْلَبُ ويُلْتَمَسُ ويُتَّخَذُ، بَلِ الإلَهُ هو اللَّهُ الَّذِي يَكُونُ قادِرًا عَلى الإنْعامِ بِالإيجادِ وإعْطاءِ الحَياةِ وجَمِيعِ النِّعَمِ، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ فَهَذا المَوْجُودُ هو الإلَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلى الخَلْقِ عِبادَتُهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ العُدُولُ عَنْ عِبادَتِهِ إلى عِبادَةِ غَيْرِهِ. قالَ الواحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقالُ: بَغَيْتُ فُلانًا شَيْئًا وبَغَيْتُ لَهُ. قالَ تَعالى: ﴿يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ﴾ [التوبة: ٤٧] أيْ يَبْغُونَ لَكم، وفي انْتِصابِ قَوْلِهِ: (إلَهًا) وجْهانِ: أحَدُهُما: الحالُ، كَأنَّهُ قِيلَ: أطْلُبُ لَكم غَيْرَ اللَّهِ مَعْبُودًا، ونَصْبُ ”غَيْرَ“ في هَذا الوَجْهِ عَلى المَفْعُولِ بِهِ. الثّانِي: أنْ يُنْصَبَ ”إلَهًا“ عَلى المَفْعُولِ بِهِ و”غَيْرَ“ عَلى الحالِ المُقَدَّمَةِ الَّتِي لَوْ تَأخَّرَتْ كانَتْ صِفَةً، كَما تَقُولُ: أبْغِيكم إلَهًا غَيْرَ اللَّهِ. وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: المُرادُ أنَّهُ تَعالى فَضَّلَهم عَلى عالَمِي زَمانِهِمْ. الثّانِي: أنَّهُ تَعالى خَصَّهم بِتِلْكَ الآياتِ القاهِرَةِ، ولَمْ يَحْصُلْ مِثْلُها لِأحَدٍ مِنَ العالَمِينَ، وإنْ كانَ غَيْرُهم فَضَلَهم بِسائِرِ الخِصالِ، ومِثالُهُ: رَجُلٌ تَعْلَّمَ عِلْمًا واحِدًا وآخَرُ تَعَلَّمَ عُلُومًا كَثِيرَةً سِوى ذَلِكَ العِلْمِ، فَصاحِبُ العِلْمِ الواحِدِ مُفَضَّلٌ عَلى صاحِبِ العُلُومِ الكَثِيرَةِ بِذَلِكَ الواحِدِ، إلّا أنَّ صاحِبَ العُلُومِ الكَثِيرَةِ مُفَضَّلٌ عَلى صاحِبِ العِلْمِ الواحِدِ في الحَقِيقَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب