الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فانْتَقَمْنا مِنهم فَأغْرَقْناهم في اليَمِّ بِأنَّهم كَذَّبُوا بِآياتِنا وكانُوا عَنْها غافِلِينَ﴾ . واعْلَمْ أنَّ المَعْنى أنَّهُ تَعالى، لَمّا كَشَفَ عَنْهُمُ العَذابَ مِن قَبْلُ مَرّاتٍ وكَرّاتٍ ولَمْ يَمْتَنِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وجَهْلِهِمْ، ثُمَّ بَلَغُوا الأجَلَ المُؤَقَّتَ انْتَقَمَ مِنهم بِأنْ أهْلَكَهم بِالغَرَقِ. والِانْتِقامُ في اللُّغَةِ سَلْبُ النِّعْمَةِ بِالعَذابِ، واليَمُّ البَحْرُ، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: اليَمُّ: البَحْرُ الَّذِي لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وقِيلَ: هو لُجَّةُ البَحْرِ ومُعْظَمُ مائِهِ، واشْتِقاقُهُ مِنَ التَّيَمُّمِ؛ لِأنَّ المُسْتَقِينَ بِهِ يَقْصِدُونَهُ. وبَيَّنَ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿بِأنَّهم كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ أنَّ ذَلِكَ الِانْتِقامَ هو لِذَلِكَ التَّكْذِيبِ. وقَوْلُهُ: ﴿وكانُوا عَنْها غافِلِينَ﴾ اخْتَلَفُوا في الكِنايَةِ في ”عَنْها“ . فَقِيلَ: إنَّها عائِدَةٌ إلى النِّقْمَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها قَوْلُهُ: ﴿انْتَقَمْنا﴾ والمَعْنى: وكانُوا عَنِ النِّقْمَةِ قَبْلَ حُلُولِها غافِلِينَ، وقِيلَ: الكِنايَةُ عائِدَةٌ إلى الآياتِ، وهو اخْتِيارُ الزَّجّاجِ. قالَ: لِأنَّهم كانُوا لا يَعْتَبِرُونَ بِالآياتِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ. فَإنْ قِيلَ: الغَفْلَةُ لَيْسَتْ مِن فِعْلِ الإنْسانِ ولا تَحْصُلُ بِاخْتِيارِهِ، فَكَيْفَ جاءَ الوَعِيدُ عَلى الغَفْلَةِ. قُلْنا: المُرادُ بِالغَفْلَةِ هُنا الإعْراضُ عَنِ الآياتِ وعَدَمُ الِالتِفاتِ إلَيْها، فَهم أعْرَضُوا عَنْها حَتّى صارُوا كالغافِلِينَ عَنْها. فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ قَدْ ضَمُّوا إلى التَّكْذِيبِ والغَفْلَةِ مَعاصِيَ كَثِيرَةً ؟ فَكَيْفَ يَكُونُ الِانْتِقامُ لِهَذَيْنَ دُونَ غَيْرِهِما. قُلْنا: لَيْسَ في الآيَةِ بَيانٌ أنَّهُ تَعالى انْتَقَمَ مِنهم لِهَذَيْنَ مَعًا دَلالَةً عَلى نَفْيِ ما عَداهُ، والآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الواجِبَ في الآياتِ النَّظَرُ فِيها؛ ولِذَلِكَ ذَمَّهم بِأنْ غَفَلُوا عَنْها، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ التَّقْلِيدَ طَرِيقٌ مَذْمُومٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب