الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكم ويَسْتَخْلِفَكم في الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ قَوْمَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا سَمِعُوا ما ذَكَرَهُ فِرْعَوْنُ مِنَ التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ خافُوا أوْ فَزِعُوا، وقالُوا: قَدْ أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا، وذَلِكَ لِأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ كانُوا قَبْلَ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُسْتَضْعَفِينَ في يَدِ فِرْعَوْنَ اللَّعِينِ، فَكانَ يَأْخُذُ مِنهُمُ الجِزْيَةَ، ويَسْتَعْمِلُهم في الأعْمالِ الشّاقَّةِ، ويَمْنَعُهم مِنَ التَّرَفُّهِ والتَّنَعُّمِ، ويَقْتُلُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيِي نِساءَهم، فَلَمّا بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَوِيَ رَجاؤُهم في زَوالِ تِلْكَ المَضارِّ والمَتاعِبِ، فَلَمّا سَمِعُوا أنَّ فِرْعَوْنَ أعادَ التَّهْدِيدَ مَرَّةً ثانِيَةً عَظُمَ خَوْفُهم وحُزْنُهم، فَقالُوا هَذا الكَلامَ.
فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ هَذا القَوْلُ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كَرِهُوا مَجِيءَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وذَلِكَ يُوجِبُ كُفْرَهم ؟
(p-١٧٤)والجَوابُ: أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا جاءَ، وعَدَهم بِزَوالِ تِلْكَ المَضارِّ، فَظَنُّوا أنَّها تَزُولُ عَلى الفَوْرِ، فَلَمّا رَأوْا أنَّها ما زالَتْ، رَجَعُوا إلَيْهِ في مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الوَعْدِ، فَبَيَّنَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ الوَعْدَ بِإزالَتِها لا يُوجِبُ الوَعْدَ بِإزالَتِها في الحالِ، وبَيَّنَ لَهم أنَّهُ تَعالى سَيُنْجِزُ لَهم ذَلِكَ الوَعْدَ في الوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ، والحاصِلُ أنَّ هَذا ما كانَ بِنَفْرَةٍ عَنْ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالرِّسالَةِ، بَلِ اسْتِكْشافًا لِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الوَعْدِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
واعْلَمْ أنَّ القَوْمَ لَمّا ذَكَرُوا ذَلِكَ قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾ قالَ سِيبَوَيْهِ: ”عَسى“ طَمَعٌ وإشْفاقٌ. قالَ الزَّجّاجُ: وما يَطْمَعُ اللَّهُ تَعالى فِيهِ فَهو واجِبٌ.
ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: هَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ لَفْظَ ”عَسى“ هَهُنا لَيْسَ كَلامَ اللَّهِ تَعالى، بَلْ هو حِكايَةً عَنْ كَلامِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، إلّا أنّا نَقُولُ: مِثْلُ هَذا الكَلامِ إذا صَدَرَ عَنْ رَسُولٍ ظَهَرَتْ حُجَّةُ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالمُعْجِزاتِ الباهِرَةِ - أفادَ قُوَّةَ النَّفْسِ، وأزالَ ما خامَرَها مِنَ الِانْكِسارِ والضَّعْفِ، فَقَوّى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قُلُوبَهم بِهَذا القَوْلِ، وحَقَّقَ عِنْدَهُمُ الوَعْدَ؛ لِيَتَمَسَّكُوا بِالصَّبْرِ، ويَتْرُكُوا الجَزَعَ المَذْمُومَ، ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ ما يَجْرِي مَجْرى الحَثِّ لَهم عَلى التَّمَسُّكِ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى.
واعْلَمْ أنَّ النَّظَرَ قَدْ يُرادُ بِهِ النَّظَرُ الَّذِي يُفِيدُ العِلْمَ، وهو عَلى اللَّهِ مُحالٌ، وقَدْ يُرادُ بِهِ تَقْلِيبُ الحَدَقَةِ نَحْوَ المَرْئِيِّ التِماسًا لِرُؤْيَتِهِ، وهو أيْضًا عَلى اللَّهِ مُحالٌ، وقَدْ يُرادُ بِهِ الِانْتِظارُ، وهو أيْضًا عَلى اللَّهِ مُحالٌ، وقَدْ يُرادُ بِهِ الرُّؤْيَةُ، ويَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ هَهُنا عَلَيْها. قالَ الزَّجّاجُ: أيْ يَرى ذَلِكَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنكم؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُجازِيهِمْ عَلى ما يَعْلَمُهُ مِنهم، وإنَّما يُجازِيهِمْ عَلى ما يَقَعُ مِنهم.
فَإنْ قِيلَ: إذا حَمَلْتُمْ هَذا النَّظَرَ عَلى الرُّؤْيَةِ لَزِمَ الإشْكالُ؛ لِأنَّ الفاءَ في قَوْلِهِ: ﴿فَيَنْظُرَ﴾ لِلتَّعْقِيبِ، فَيَلْزَمُ أنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعالى لِتِلْكَ الأعْمالِ مُتَأخِّرَةً عَنْ حُصُولِ تِلْكَ الأعْمالِ، وذَلِكَ يُوجِبُ حُدُوثَ صِفَةِ اللَّهِ تَعالى.
قُلْنا: تَعَلُّقُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعالى بِذَلِكَ الشَّيْءِ نِسْبَةٌ حادِثَةٌ، والنَّسَبُ والإضافاتُ لا وُجُودَ لَها في الأعْيانِ، فَلَمْ يَلْزَمْ حُدُوثُ الصِّفَةِ الحَقِيقِيَّةِ في ذاتِ اللَّهِ تَعالى، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"قَالُوۤا۟ أُوذِینَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِیَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق