الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهم يَكْتُبُونَ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ عِنْدَهُمُ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ فَهم يَكْتُبُونَ مِنهُ ثَوابَ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ والشِّرْكِ، فَلِذَلِكَ أصَرُّوا عَلَيْهِ، وهَذا اسْتِفْهامٌ عَلى سَبِيلِ الإنْكارِ.
الثّانِي: أنَّ الأشْياءَ الغائِبَةَ كَأنَّها حَضَرَتْ في عُقُولِهِمْ حَتّى إنَّهم يَكْتُبُونَ عَلى اللَّهِ أيْ يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِما شاءُوا وأرادُوا.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا بالَغَ في تَزْيِيفِ طَرِيقَةِ الكُفّارِ وفي زَجْرِهِمْ عَمّا هم عَلَيْهِ قالَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ في إمْهالِهِمْ وتَأْخِيرِ نَصْرَتِكَ عَلَيْهِمْ.
والثّانِي: فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ في أنْ أوْجَبَ عَلَيْكَ التَّبْلِيغَ والوَحْيَ وأداءَ الرِّسالَةِ، وتَحَمَّلْ ما يَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الأذى والمِحْنَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ إذْ نادى وهو مَكْظُومٌ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: العامِلُ في (إذْ) مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿كَصاحِبِ الحُوتِ﴾ يُرِيدُ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ حالَ نِدائِهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَ مَكْظُومًا، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا تَكُنْ مَكْظُومًا. (p-٨٧)
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: صاحِبُ الحُوتِ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلامُ، إذْ نادى في بَطْنِ الحُوتِ بِقَوْلِهِ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ (الأنْبِياءِ: ٨٧)، ﴿وهُوَ مَكْظُومٌ﴾ مَمْلُوءٌ غَيْظًا مِن كَظَمَ السِّقاءَ إذا مَلَأهُ، والمَعْنى لا يُوجَدُ مِنكَ ما وُجِدَ مِنهُ مِنَ الضَّجَرِ والمُغاضَبَةِ، فَتَبْلى بِبَلائِهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لَوْلا أنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وهو مَذْمُومٌ﴾
وقُرِئَ (رَحْمَةٌ مِن رَبِّهِ)، وهَهُنا سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: لَوْلا أنْ تَدارَكَتْهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ ؟
الجَوابُ: إنَّما حَسُنَ تَذْكِيرُ الفِعْلِ لِفَصْلِ الضَّمِيرِ في (تَدارَكَهُ)، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ مَسْعُودٍ (تَدارَكَتْهُ)، وقَرَأ الحَسَنُ: (تَدارَكَهُ)، أيْ تَتَدارَكُهُ عَلى حِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ، بِمَعْنى لَوْلا أنْ كانَ، يُقالُ فِيهِ: تَتَدارَكُهُ، كَما يُقالُ: كانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ فَمَنَعَهُ فُلانٌ، أيْ كانَ يُقالُ فِيهِ: سَيَقُومُ، والمَعْنى كانَ مُتَوَقَّعًا مِنهُ القِيامُ.
السُّؤالُ الثّانِي: ما المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ ؟
الجَوابُ: المُرادُ مِن تِلْكَ النِّعْمَةِ، هو أنَّهُ تَعالى أنْعَمَ عَلَيْهِ بِالتَّوْفِيقِ لِلتَّوْبَةِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنَ الصّالِحاتِ والطّاعاتِ إلّا بِتَوْفِيقِهِ وهِدايَتِهِ.
السُّؤالُ الثّالِثُ: أيْنَ جَوابُ لَوْلا ؟
الجَوابُ: مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: لَوْلا هَذِهِ النِّعْمَةُ لَنُبِذَ بِالعَراءِ مَعَ وصْفِ المَذْمُومِيَّةِ، فَلَمّا حَصَلَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ لا جَرَمَ لَمْ يُوجَدِ النَّبْذُ بِالعَراءِ مَعَ هَذا الوَصْفِ؛ لِأنَّهُ لَمّا فَقَدَ هَذا الوَصْفَ فَقَدْ فَقَدَ ذَلِكَ المَجْمُوعَ.
الثّانِي: لَوْلا هَذِهِ النِّعْمَةُ لَبَقِيَ في بَطْنِ الحُوتِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، ثُمَّ نُبِذَ بِعَراءِ القِيامَةِ مَذْمُومًا، ويَدُلُّ عَلى هَذا قَوْلُهُ: ﴿فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ﴾ ﴿لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (الصّافّاتِ: ١٤٣، ١٤٤) وهَذا كَما يُقالُ: عَرْصَةُ القِيامَةِ؛ وعَراءُ القِيامَةِ.
السُّؤالُ الرّابِعُ: هَلْ يَدُلُّ قَوْلُهُ: ﴿وهُوَ مَذْمُومٌ﴾ عَلى كَوْنِهِ فاعِلًا لِلذَّنْبِ ؟
الجَوابُ: مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ كَلِمَةَ (لَوْلا) دَلَّتْ عَلى أنَّ هَذِهِ المَذْمُومِيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ.
الثّانِي: لَعَلَّ المُرادَ مِنَ المَذْمُومِيَّةِ تَرْكُ الأفْضَلِ، فَإنَّ حَسَناتِ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ.
الثّالِثُ: لَعَلَّ هَذِهِ الواقِعَةَ كانَتْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِقَوْلِهِ: ﴿فاجْتَباهُ رَبُّهُ﴾ والفاءُ لِلتَّعْقِيبِ.
السُّؤالُ الخامِسُ: ما سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآياتِ ؟
الجَوابُ: يُرْوى أنَّها نَزَلَتْ بِأُحُدٍ حِينَ حَلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ما حَلَّ، فَأرادَ أنْ يَدْعُوَ عَلى الَّذِينَ انْهَزَمُوا، وقِيلَ: حِينَ أرادَ أنْ يَدْعُوَ عَلى ثَقِيفٍ.
{"ayahs_start":47,"ayahs":["أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَیۡبُ فَهُمۡ یَكۡتُبُونَ","فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومࣱ","لَّوۡلَاۤ أَن تَدَ ٰرَكَهُۥ نِعۡمَةࣱ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَاۤءِ وَهُوَ مَذۡمُومࣱ"],"ayah":"فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق