الباحث القرآني
ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى أجابَ عَنْ هَذا الكَلامِ بِقَوْلِهِ: ﴿أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كالمُجْرِمِينَ﴾ ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾
ومَعْنى الكَلامِ أنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ المُطِيعِ والعاصِي غَيْرُ جائِزَةٍ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ.
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ القاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى أنَّ وصْفَ الإنْسانِ بِأنَّهُ مُسْلِمٌ ومُجْرِمٌ كالمُتَنافِي، فالفاسِقُ لَمّا كانَ مُجْرِمًا وجَبَ أنْ لا يَكُونَ مُسْلِمًا، والجَوابُ: أنَّهُ تَعالى أنْكَرَ جَعْلَ المُسْلِمِ مَثَلًا لِلْمُجْرِمِ، ولا شَكَّ أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ إنْكارَ المُماثَلَةِ في جَمِيعِ الأُمُورِ، فَإنَّهُما يَتَماثَلانِ في الجَوْهَرِيَّةِ والجِسْمِيَّةِ والحُدُوثِ والحَيَوانِيَّةِ، وغَيْرِها مِنَ الأُمُورِ الكَثِيرَةِ، بَلِ المُرادُ إنْكارُ اسْتِوائِهِما في الإسْلامِ والجُرْمِ، أوْ في آثارِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ، أوِ المُرادُ إنْكارُ أنْ يَكُونَ أثَرُ إسْلامِ المُسْلِمِ مُساوِيًا لِأثَرِ جُرْمِ المُجْرِمِ عِنْدَ اللَّهِ، وهَذا مُسَلَّمٌ لا نِزاعَ فِيهِ، فَمِن أيْنَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الشَّخْصَ الواحِدَ يَمْتَنِعُ أنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا ومُجْرِمًا ؟
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الجُبّائِيُّ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ المُجْرِمَ لا يَكُونُ ألْبَتَّةَ في الجَنَّةِ؛ لِأنَّهُ تَعالى أنْكَرَ حُصُولَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُما، ولَوْ حَصَلا في الجَنَّةِ، لَحَصَلَتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُما في الثَّوابِ، بَلْ لَعَلَّهُ يَكُونُ ثَوابُ المُجْرِمِ أزْيَدَ مِن ثَوابِ المُسْلِمِ إذا كانَ المُجْرِمُ أطْوَلَ عُمْرًا مِنَ المُسْلِمِ، وكانَتْ طاعاتُهُ غَيْرَ مُحْبَطَةٍ.
الجَوابُ: هَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنّا بَيَّنّا أنَّ الآيَةَ لا تَمْنَعُ مِن حُصُولِ التَّسْوِيَةِ في شَيْءٍ أصْلًا بَلْ تَمْنَعُ مِن حُصُولِ التَّسْوِيَةِ في دَرَجَةِ الثَّوابِ، ولَعَلَّهُما يَسْتَوِيانِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ ثَوابُ المُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَعْصِ أكْثَرَ مِن ثَوابِ مَن عَصى، عَلى أنّا نَقُولُ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ المُجْرِمِينَ هُمُ الكُفّارَ الَّذِينَ حَكى اللَّهُ عَنْهم هَذِهِ الواقِعَةَ، وذَلِكَ لِأنَّ حَمْلَ الجَمْعِ المُحَلّى بِالألِفِ واللّامِ عَلى المَعْهُودِ السّابِقِ مَشْهُورٌ في اللُّغَةِ والعُرْفِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أنَّ اللَّهَ تَعالى اسْتَنْكَرَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ والمُجْرِمِينَ في الثَّوابِ، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّهُ يَقْبُحُ عَقْلًا ما يُحْكى عَنْ أهْلِ السُّنَّةِ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَدْخُلَ الكُفّارُ في الجَنَّةِ والمُطِيعُونَ في النّارِ والجَوابُ: أنَّهُ تَعالى اسْتَنْكَرَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الفَضْلِ والإحْسانِ، لا أنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أنَّ أحَدًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِبْعادِ: ﴿أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كالمُجْرِمِينَ﴾ قَرَّرَ هَذا الِاسْتِبْعادَ بِأنْ قالَ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ: ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هَذا الحُكْمُ المُعْوَجُّ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿أمْ لَكم كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ ﴿إنَّ لَكم فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ﴾
وهُوَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ لَكم سُلْطانٌ مُبِينٌ﴾ ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ﴾ (الصّافّاتِ: ١٥٦) والأصْلُ تَدْرُسُونَ أنَّ لَكم ما تَتَخَيَّرُونَ بِفَتْحِ أنَّ لِأنَّهُ مُدَرَّسٌ، فَلَمّا جاءَتِ اللّامُ كُسِرَتْ، وتَخَيَّرَ الشَّيْءَ واخْتارَهُ، أيْ أخَذَ خَيْرَهُ ونَحْوَهُ تَنَخَّلَهُ وانْتَخَلَهُ إذا أخَذَ مَنخُولَهُ.
{"ayahs_start":35,"ayahs":["أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ","مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","أَمۡ لَكُمۡ كِتَـٰبࣱ فِیهِ تَدۡرُسُونَ","إِنَّ لَكُمۡ فِیهِ لَمَا تَخَیَّرُونَ","أَمۡ لَكُمۡ أَیۡمَـٰنٌ عَلَیۡنَا بَـٰلِغَةٌ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ","سَلۡهُمۡ أَیُّهُم بِذَ ٰلِكَ زَعِیمٌ","أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فَلۡیَأۡتُوا۟ بِشُرَكَاۤىِٕهِمۡ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِینَ"],"ayah":"سَلۡهُمۡ أَیُّهُم بِذَ ٰلِكَ زَعِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق