الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ أوْسَطُهُمْ﴾ يَعْنِي أعْدَلُهم وأفْضَلُهم، وبَيَّنّا وجْهَهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿أُمَّةً وسَطًا﴾ . ﴿ألَمْ أقُلْ لَكم لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ يَعْنِي هَلّا تُسَبِّحُونَ، وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: قالَ الأكْثَرُونَ: مَعْناهُ هَلّا تَسْتَثْنُونَ فَتَقُولُونَ: إنْ شاءَ اللَّهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما عابَهم بِأنَّهم لا يَسْتَثْنُونَ، وإنَّما جازَ تَسْمِيَةُ قَوْلِ إنْ شاءَ اللَّهُ بِالتَّسْبِيحِ؛ لِأنَّ التَّسْبِيحَ عِبارَةٌ عَنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ، فَلَوْ دَخَلَ شَيْءٌ في الوُجُودِ عَلى خِلافِ إرادَةِ اللَّهِ، لَكانَ ذَلِكَ يُوجِبُ عَوْدَةَ نَقْصٍ إلى قُدْرَةِ اللَّهِ، فَقَوْلُكَ: إنْ شاءَ اللَّهُ، يُزِيلُ هَذا النَّقْصَ، فَكانَ ذَلِكَ تَسْبِيحًا. واعْلَمْ أنَّ لَفْظَ القُرْآنِ يَدُلُّ عَلى أنَّ القَوْمَ كانُوا يَحْلِفُونَ ويَتْرُكُونَ الِاسْتِثْناءَ، وكانَ أوْسَطُهم يَنْهاهم عَنْ تَرْكِ الِاسْتِثْناءِ ويُخَوِّفُهم مِن عَذابِ اللَّهِ، فَلِهَذا حَكى عَنْ ذَلِكَ الأوْسَطِ أنَّهُ قالَ بَعْدَ وُقُوعِ الواقِعَةِ: ﴿ألَمْ أقُلْ لَكُمْ﴾ (p-٨٠)﴿لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ . الثّانِي: أنَّ القَوْمَ حِينَ عَزَمُوا عَلى مَنعِ الزَّكاةِ واغْتَرُّوا بِمالِهِمْ وقُوَّتِهِمْ قالَ الأوْسَطُ لَهم: تُوبُوا عَنْ هَذِهِ المَعْصِيَةِ قَبْلَ نُزُولِ العَذابِ، فَلَمّا رَأوُا العَذابَ ذَكَّرَهم ذَلِكَ الكَلامَ الأوَّلَ، وقالَ: ﴿لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ فَلا جَرَمَ اشْتَغَلَ القَوْمُ في الحالِ بِالتَّوْبَةِ. ﴿قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ فَتَكَلَّمُوا بِما كانَ يَدْعُوهم إلى التَّكَلُّمِ بِهِ لَكِنْ بَعْدَ خَرابِ البَصْرَةِ. الثّالِثُ: قالَ الحَسَنُ: هَذا التَّسْبِيحُ هو الصَّلاةُ كَأنَّهم كانُوا يَتَكاسَلُونَ في الصَّلاةِ وإلّا لَكانَتْ ناهِيَةً لَهم عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ ولَكانَتْ داعِيَةً لَهم إلى أنْ يُواظِبُوا عَلى ذِكْرِ اللَّهِ وعَلى قَوْلِ: إنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْ ذَلِكَ الأوْسَطِ أنَّهُ أمَرَهم بِالتَّوْبَةِ وبِالتَّسْبِيحِ حَكى عَنْهم أشْياءَ: أوَّلُها: أنَّهُمُ اشْتَغَلُوا بِالتَّسْبِيحِ وقالُوا في الحالِ: سُبْحانَ رَبِّنا عَنْ أنْ يَجْرِيَ في مُلْكِهِ شَيْءٌ إلّا بِإرادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ، ولَمّا وصَفُوا اللَّهَ تَعالى بِالتَّنْزِيهِ والتَّقْدِيسِ اعْتَرَفُوا بِسُوءِ أفْعالِهِمْ وقالُوا: ﴿إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ . وثانِيها: ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ أيْ يَلُومُ بَعْضُهم بَعْضًا يَقُولُ هَذا لِهَذا: أنْتَ أشَرْتَ عَلَيْنا بِهَذا الرَّأْيِ، ويَقُولُ ذاكَ لِهَذا: أنْتَ خَوَّفْتَنا بِالفَقْرِ، ويَقُولُ الثّالِثُ لِغَيْرِهِ: أنْتَ الَّذِي رَغَّبْتَنِي في جَمْعِ المالِ، فَهَذا هو التَّلاوُمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب