الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ وهم نائِمُونَ﴾ ﴿فَأصْبَحَتْ كالصَّرِيمِ﴾ طائِفٌ مِن رَبِّكَ: أيْ عَذابٌ مِن رَبِّكَ، والطّائِفُ لا يَكُونُ إلّا لَيْلًا أيْ طَرَقَها طارِقٌ مِن عَذابِ اللَّهِ، قالَ الكَلْبِيُّ: أرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْها نارًا مِنَ السَّماءِ فاحْتَرَقَتْ وهم نائِمُونَ فَأصْبَحَتِ الجَنَّةُ كالصَّرِيمِ. واعْلَمْ أنَّ الصَّرِيمَ فَعِيلٌ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المَفْعُولِ، وأنْ يَكُونَ بِمَعْنى الفاعِلِ وهَهُنا احْتِمالاتٌ: أحَدُها: أنَّها لَمّا احْتَرَقَتْ كانَتْ شَبِيهَةً بِالمَصْرُومَةِ في هَلاكِ الثَّمَرِ، وإنْ حَصَلَ الِاخْتِلافُ في أُمُورٍ أُخَرَ، فَإنَّ الأشْجارَ إذا احْتَرَقَتْ فَإنَّها لا تُشْبِهُ الأشْجارَ الَّتِي قُطِعَتْ ثِمارُها، إلّا أنَّ هَذا الِاخْتِلافَ وإنْ حَصَلَ مِن هَذا الوَجْهِ، لَكِنَّ المُشابَهَةَ في هَلاكِ الثَّمَرِ حاصِلَةٌ. وثانِيها: قالَ الحَسَنُ: أيْ صُرِمَ عَنْها الخَيْرُ فَلَيْسَ فِيها شَيْءٌ، وعَلى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ الصَّرِيمُ بِمَعْنى المَصْرُومِ. وثالِثُها: الصَّرِيمُ مِنَ الرَّمْلِ قِطْعَةٌ ضَخْمَةٌ تَنْصَرِمُ عَنْ سائِرِ الرِّمالِ وجَمْعُهُ الصَّرائِمُ، وعَلى هَذا شُبِّهَتِ الجَنَّةُ وهي مُحْتَرِقَةٌ لا ثَمَرَ فِيها ولا خَيْرَ بِالرَّمْلَةِ المُنْقَطِعَةِ عَنِ الرِّمالِ، وهي لا تُنْبِتُ شَيْئًا يُنْتَفَعُ بِهِ. ورابِعُها: الصُّبْحُ يُسَمّى صَرِيمًا؛ لِأنَّهُ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ، والمَعْنى أنَّ تِلْكَ الجَنَّةَ يَبِسَتْ وذَهَبَتْ خُضْرَتُها ولَمْ يَبْقَ فِيها شَيْءٌ، مِن قَوْلِهِمْ: بَيَّضَ الإناءَ إذا فَرَّغَهُ. وخامِسُها: أنَّها لَمّا احْتَرَقَتْ صارَتْ سَوْداءَ كاللَّيْلِ المُظْلِمِ، واللَّيْلُ يُسَمّى صَرِيمًا وكَذا النَّهارُ يُسَمّى أيْضًا صَرِيمًا؛ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَنْصَرِمُ بِالآخَرِ، وعَلى هَذا الصَّرِيمِ بِمَعْنى الصّارِمِ، وقالَ قَوْمٌ: سُمِّيَ اللَّيْلُ صَرِيمًا، لِأنَّهُ يَقْطَعُ بِظُلْمَتِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ وعَلى هَذا هو فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ، وقالَ آخَرُونَ: سُمِّيَتِ اللَّيْلَةُ بِالصَّرِيمِ؛ لِأنَّها تَصْرُمُ نُورَ البَصَرِ وتَقْطَعُهُ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ ﴿أنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكم إنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: لَمّا أصْبَحُوا قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: ﴿اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ﴾ ويَعْنِي بِالحَرْثِ الثِّمارَ والزُّرُوعَ والأعْنابَ، ولِذَلِكَ قالَ: صارِمِينَ؛ لِأنَّهم أرادُوا قَطْعَ الثِّمارِ مِن هَذِهِ الأشْجارِ. فَإنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلِ اغْدُوا إلى حَرْثِكم، وما مَعْنى (عَلى) ؟ قُلْنا: لَمّا كانَ الغُدُوُّ إلَيْهِ لِيَصْرِمُوهُ ويَقْطَعُوهُ كانَ غُدُوًّا عَلَيْهِ كَما تَقُولُ: غَدا عَلَيْهِمُ العَدُوُّ، ويَجُوزُ أنْ تُضَمِّنَ الغُدُوَّ مَعْنى الإقْبالِ، كَقَوْلِهِمْ: يُغْدى عَلَيْهِمْ بِالجَفْنَةِ ويُراحُ، أيْ فَأقْبِلُوا عَلى حَرْثِكم باكِرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب