الباحث القرآني
الصِّفَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَألَهم خَزَنَتُها ألَمْ يَأْتِكم نَذِيرٌ﴾ .
الفَوْجُ الجَماعَةُ مِنَ النّاسِ والأفْواجُ الجَماعاتُ في تَعَرُّفِهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾ (النَّبَأِ: ١٨) و(خَزَنَتُها) مالِكٌ وأعْوانُهُ مِنَ الزَّبانِيَةِ ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَذِيرٌ﴾ وهو سُؤالُ تَوْبِيخٍ، قالَ الزَّجّاجُ: وهَذا التَّوْبِيخُ زِيادَةٌ لَهم في العَذابِ، وفي الآيَةِ مَسْألَتانِ: (p-٥٧)
المَسْألَةُ الأُولى: احْتَجَّتِ المُرْجِئَةُ عَلى أنَّهُ لا يَدْخُلُ النّارَ أحَدٌ إلّا الكُفّارُ بِهَذِهِ الآيَةِ، قالُوا: لِأنَّهُ تَعالى حَكى عَنْ كُلِّ مَن أُلْقِيَ في النّارِ أنَّهم قالُوا: كَذَّبْنا النَّذِيرَ، وهَذا يَقْتَضِي أنَّ مَن لَمْ يُكَذِّبِ اللَّهَ ورَسُولَهُ لا يَدْخُلُ النّارَ، واعْلَمْ أنَّ ظاهِرَ هَذِهِ الآيَةِ يَقْتَضِي القَطْعَ بِأنَّ الفاسِقَ المُصِرَّ لا يَدْخُلُ النّارَ، وأجابَ القاضِي عَنْهُ بِأنَّ النَّذِيرَ قَدْ يُطْلَقُ عَلى ما في العُقُولِ مِنَ الأدِلَّةِ المُحَذِّرَةِ المُخَوِّفَةِ، ولا أحَدَ يَدْخُلُ النّارَ إلّا وهو مُخالِفٌ لِلدَّلِيلِ غَيْرُ مُتَمَسِّكٍ بِمُوجَبِهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ القائِلُونَ بِأنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وشُكْرَهُ لا يَجِبانِ إلّا بَعْدَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: هَذِهِ الآيَةُ دَلَّتْ عَلى أنَّهُ تَعالى إنَّما عَذَّبَهم؛ لِأنَّهُ أتاهُمُ النَّذِيرُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِهِمُ النَّذِيرُ لَما عَذَّبَهم.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى حَكى عَنِ الكُفّارِ جَوابَهم عَنْ ذَلِكَ السُّؤالِ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا﴾ اعْتِرافٌ مِنهم بِعَدْلِ اللَّهِ، وإقْرارٌ بِأنَّ اللَّهَ أزاحَ عِلَلَهم بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ، ولَكِنَّهم كَذَّبُوا الرُّسُلَ، وقالُوا: ﴿ما نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ﴾ .
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ أنْتُمْ إلّا في ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: في الآيَةِ وجْهانِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: وهو الأظْهَرُ أنَّهُ مِن جُمْلَةِ قَوْلِ الكُفّارِ وخِطابِهِمْ لِلْمُنْذِرِينَ.
الوَجْهُ الثّانِي: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ الخَزَنَةِ لِلْكُفّارِ، والتَّقْدِيرُ أنَّ الكُفّارَ لَمّا قالُوا ذَلِكَ الكَلامَ قالَتِ الخَزَنَةُ لَهم: ﴿إنْ أنْتُمْ إلّا في ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الضَّلالِ الكَبِيرِ ما كانُوا عَلَيْهِ مِن ضَلالِهِمْ في الدُّنْيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالضَّلالِ الهَلاكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سُمِّيَ عِقابُ الضَّلالِ بِاسْمِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ ما كُنّا في أصْحابِ السَّعِيرِ﴾
هَذا هو الكَلامُ الثّانِي مِمّا حَكاهُ اللَّهُ تَعالى عَنِ الكُفّارِ جَوابًا لِلْخَزَنَةِ حِينَ قالُوا: ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَذِيرٌ﴾ والمَعْنى لَوْ كُنّا نَسْمَعُ الإنْذارَ سَماعَ مَن كانَ طالِبًا لِلْحَقِّ أوْ نَعْقِلُهُ عَقْلَ مَن كانَ مُتَأمِّلًا مُتَفَكِّرًا لَما كُنّا مِن أصْحابِ السَّعِيرِ، وقِيلَ: إنَّما جَمَعَ بَيْنَ السَّمْعِ والعَقْلِ؛ لِأنَّ مَدارَ التَّكْلِيفِ عَلى أدِلَّةِ السَّمْعِ والعَقْلِ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: احْتَجَّ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ في مَسْألَةِ الهُدى والإضْلالِ بِأنْ قالُوا: لَفْظَةُ لَوْ تُفِيدُ امْتِناعَ الشَّيْءِ لِامْتِناعِ غَيْرِهِ، فَدَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ ما كانَ لَهم سَمْعٌ ولا عَقْلٌ، لَكِنْ لا شَكَّ أنَّهم كانُوا ذَوِي أسْماعٍ وعُقُولٍ صَحِيحَةٍ، وأنَّهم ما كانُوا صُمَّ الأسْماعِ ولا مَجانِينَ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّهُ ما كانَ لَهم سَمْعُ الهِدايَةِ ولا عَقْلُ الهِدايَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ مَن قالَ: الدِّينُ لا يَتِمُّ إلّا بِالتَّعْلِيمِ، فَقالَ: إنَّهُ قَدَّمَ السَّمْعَ عَلى العَقْلِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ لا بُدَّ أوَّلًا مِن إرْشادِ المُرْشِدِ وهِدايَةِ الهادِي، ثُمَّ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَهْمُ المُسْتَجِيبِ وتَأمُّلُهُ فِيما يُلْقِيهِ المُعَلِّمُ، والجَوابُ: أنَّهُ إنَّما قَدَّمَ السَّمْعَ؛ لِأنَّ المَدْعُوَّ إذا لَقِيَ الرَّسُولَ فَأوَّلُ المَراتِبِ أنَّهُ يَسْمَعُ كَلامَهُ ثُمَّ إنَّهُ يَتَفَكَّرُ فِيهِ، فَلَمّا كانَ السَّمْعُ مُقَدَّمًا بِهَذا السَّبَبِ عَلى التَّعَقُّلِ والتَّفَهُّمِ لا جَرَمَ قُدِّمَ عَلَيْهِ في الذِّكْرِ. (p-٥٨)
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ومِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ أنَّ المُرادَ لَوْ كُنّا عَلى مَذْهَبِ أصْحابِ الحَدِيثِ أوْ عَلى مَذْهَبِ أصْحابِ الرَّأْيِ، ثُمَّ قالَ: كَأنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ظُهُورِ هَذَيْنِ المَذْهَبَيْنِ، وكَأنَّ سائِرَ أصْحابِ المَذاهِبِ والمُجْتَهِدِينَ قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ وعِيدَهم.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: احْتَجَّ مَن فَضَّلَ السَّمْعَ عَلى البَصَرِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ لِلسَّمْعِ مَدْخَلًا في الخَلاصِ عَنِ النّارِ والفَوْزِ بِالجَنَّةِ، والبَصَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ السَّمْعُ أفْضَلَ.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["تَكَادُ تَمَیَّزُ مِنَ ٱلۡغَیۡظِۖ كُلَّمَاۤ أُلۡقِیَ فِیهَا فَوۡجࣱ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَذِیرࣱ","قَالُوا۟ بَلَىٰ قَدۡ جَاۤءَنَا نَذِیرࣱ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَیۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ كَبِیرࣲ","وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











