الباحث القرآني

(p-٢٤)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿وأطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإنَّما عَلى رَسُولِنا البَلاغُ المُبِينُ﴾ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ أيْ بِأمْرِ اللَّهِ قالَهُ الحَسَنُ، وقِيلَ: بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وقَضائِهِ، وقِيلَ: بِإرادَةِ اللَّهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: بِعِلْمِهِ وقَضائِهِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ أيْ عِنْدِ المُصِيبَةِ أوْ عِنْدَ المَوْتِ أوِ المَرَضِ أوِ الفَقْرِ أوِ القَحْطِ، ونَحْوِ ذَلِكَ فَيَعْلَمُ أنَّها مِنَ اللَّهِ تَعالى فَيُسَلِّمُ لِقَضاءِ اللَّهِ تَعالى ويَسْتَرْجِعُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ أيْ لِلتَّسْلِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾، قالَ أهْلُ المَعانِي: يَهْدِ قَلْبَهُ لِلشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخاءِ والصَّبْرِ عِنْدَ البَلاءِ، وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يَهْدِ قَلْبَهُ إلى ما يُحِبُّ ويَرْضى وقُرِئَ ”نَهْدِ قَلْبَهُ“ بِالنُّونِ وعَنْ عِكْرِمَةَ ”يُهْدَ قَلْبُهُ“ بِفَتْحِ الدّالِ وضَمِّ الياءِ، وقُرِئَ ”يَهْدَأُ“ قالَ الزَّجّاجُ: هَدَأ قَلْبُهُ يَهْدَأُ إذا سَكَنَ، والقَلْبُ بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ ووَجْهُ النَّصْبِ أنْ يَكُونَ مِثْلَ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى اطْمِئْنانِ القَلْبِ عِنْدَ المُصِيبَةِ، وقِيلَ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِتَصْدِيقِ مَن صَدَّقَ رَسُولَهُ فَمَن صَدَّقَهُ فَقَدْ هَدى قَلْبَهُ ﴿وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فِيما جاءَ بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ يَعْنِي هَوِّنُوا المَصائِبَ والنَّوازِلَ واتَّبِعُوا الأوامِرَ الصّادِرَةَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، ومِنَ الرَّسُولِ فِيما دَعاكم إلَيْهِ. وقَوْلُهُ: ﴿فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أيْ عَنْ إجابَةِ الرَّسُولِ فِيما دَعاكم إلَيْهِ ﴿وما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ﴾ [النور: ٥٤] الظّاهِرُ والبَيانُ البائِنُ، وقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا مِن جُمْلَةِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الأوْصافِ الحَمِيدَةِ لِحَضْرَةِ اللَّهِ تَعالى مِن قَوْلِهِ: ﴿لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَإنَّ مَن كانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفاتِ ونَحْوِها فَهو الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو، أيْ لا مَعْبُودَ إلّا هو ولا مَقْصُودَ إلّا هو عَلَيْهِ التَّوَكُّلُ في كُلِّ بابٍ، وإلَيْهِ المَرْجِعُ والمَآبُ، وقَوْلُهُ: ﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ بَيانُ أنَّ المُؤْمِنَ لا يَعْتَمِدُ إلّا عَلَيْهِ، ولا يَتَقَوّى إلّا بِهِ لِما أنَّهُ يَعْتَقِدُ أنَّ القادِرَ بِالحَقِيقَةِ لَيْسَ إلّا هو، وقالَ في الكَشّافِ: هَذا بَعْثٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ والتَّقَوِّي بِهِ في أمْرِهِ حَتّى يَنْصُرَهُ عَلى مَن كَذَّبَهُ وتَوَلّى عَنْهُ، فَإنْ قِيلَ كَيْفَ يَتَعَلَّقُ ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ بِما قَبْلَهُ ويَتَّصِلُ بِهِ ؟ نَقُولُ: يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ لِما أنَّ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَيُصَدِّقُهُ يَعْلَمُ ألّا تُصِيبَهُ مُصِيبَةٌ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب