الباحث القرآني
(p-٢٦٩)(سُورَةُ الصَّفِّ)
أرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً مَكِّيَّةً
﷽
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾
﷽
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾
وجْهُ التَّعَلُّقِ بِما قَبْلَها هو أنَّ في تِلْكَ السُّورَةِ بَيانَ الخُرُوجِ جِهادًا في سَبِيلِ اللَّهِ وابْتِغاءَ مَرْضاتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهادًا في سَبِيلِي وابْتِغاءَ مَرْضاتِي﴾ [الممتحنة: ١] وفي هَذِهِ السُّورَةِ بَيانُ ما يَحْمِلُ أهْلَ الإيمانِ ويَحُثُّهم عَلى الجِهادِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا كَأنَّهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ وأمّا الأوَّلُ بِالآخِرِ، فَكَأنَّهُ قالَ: إنْ كانَ الكَفَرَةُ بِجَهْلِهِمْ يَصْفُونَ لِحَضْرَتِنا المُقَدَّسَةِ بِما لا يَلِيقُ بِالحَضْرَةِ، فَقَدْ كانَتِ المَلائِكَةُ وغَيْرُهم مِنَ الإنْسِ والجِنِّ يُسَبِّحُونَ لِحَضْرَتِنا، كَما قالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ أيْ شَهِدَ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ والوَحْدانِيَّةِ وغَيْرِهِما مِنَ الصِّفاتِ الحَمِيدَةِ جَمِيعُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ و(العَزِيزُ) مَن عَزَّ إذا غَلَبَ، وهو الَّذِي يَغْلِبُ عَلى غَيْرِهِ أيَّ شَيْءٍ كانَ ذَلِكَ الغَيْرُ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
و﴿الحَكِيمُ﴾ مَن حَكَمَ عَلى الشَّيْءِ إذا قَضى عَلَيْهِ، وهو الَّذِي يَحْكُمُ عَلى غَيْرِهِ، أيَّ شَيْءٍ كانَ ذَلِكَ الغَيْرُ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَقَوْلُهُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ يَدُلُّ عَلى الرُّبُوبِيَّةِ والوَحْدانِيَّةِ إذَنْ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى قالَ في البَعْضِ مِنَ السُّورِ: سَبَّحَ لِلَّهِ، وفي البَعْضِ: يُسَبِّحُ، وفي البَعْضِ: سَبِّحْ بِصِيغَةِ الأمْرِ، لِيُعْلَمَ أنَّ تَسْبِيحَ حَضْرَةِ اللَّهِ تَعالى دائِمٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ لِما أنَّ الماضِيَ يَدُلُّ عَلَيْهِ في الماضِي مِنَ الزَّمانِ، والمُسْتَقْبَلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ في المُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمانِ، والأمْرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ في الحالِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ مِنهم مَن قالَ: هَذِهِ الآيَةُ في حَقِّ جَماعَةٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وهُمُ الَّذِينَ أحَبُّوا أنْ يَعْمَلُوا بِأحَبِّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلُّكم عَلى تِجارَةٍ﴾ [الصف: ١٠] الآيَةَ و﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ﴾ فَأحَبُّوا الحَياةَ وتَوَلَّوْا يَوْمَ أُحُدٍ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: (p-٢٧٠)﴿لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ وقِيلَ في حَقِّ مَن يَقُولُ: قاتَلْتُ ولَمْ يُقاتِلْ، وطَعَنْتُ ولَمْ يَطْعَنْ، وفَعَلْتُ ولَمْ يَفْعَلْ، وقِيلَ: إنَّها في حَقِّ أهْلِ النِّفاقِ في القِتالِ، لِأنَّهم تَمَنَّوُا القِتالَ، فَلَمّا أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ قالُوا: ﴿لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنا القِتالَ﴾ [النساء: ٧٧] وقِيلَ: إنَّها في حَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ، لِأنَّهم قَدِ اعْتَقَدُوا الوَفاءَ بِما وعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الطّاعَةِ والِاسْتِسْلامِ والخُضُوعِ والخُشُوعِ. فَإذا لَمْ يُوجَدِ الوَفاءُ بِما وعَدَهم خِيفَ عَلَيْهِمْ في كُلِّ زَلَّةٍ أنْ يَدْخُلُوا في هَذِهِ الآيَةِ ثُمَّ في هَذِهِ الجُمْلَةِ مَباحِثُ:
الأوَّلُ: قالَ تَعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ قالَهُ تَعالى في أوَّلِ سُورَةٍ أُخْرى، وهَذا هو التَّكْرارُ، والتَّكْرارُ عَيْبٌ، فَكَيْفَ هو ؟ فَنَقُولُ: يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: كَرَّرَهُ لِيُعْلَمَ أنَّهُ في نَفْسِ الأمْرِ غَيْرُ مُكَرَّرٍ لِأنَّ ما وُجِدَ مِنهُ التَّسْبِيحُ عِنْدَ وُجُودِ العالَمِ بِإيجادِ اللَّهِ تَعالى فَهو غَيْرُ ما وُجِدَ مِنهُ التَّسْبِيحُ بَعْدَ وُجُودِ العالَمِ، وكَذا عِنْدَ وُجُودِ آدَمَ وبَعْدَ وُجُودِهِ.
الثّانِي: قالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ ولَمْ يَقُلْ: سَبَّحَ لِلَّهِ السَّماواتُ والأرْضُ وما فِيهِما، مَعَ أنَّ في هَذا مِنَ المُبالَغَةِ ما لَيْسَ في ذَلِكَ ؟ فَنَقُولُ: إنَّما يَكُونُ كَذَلِكَ إذا كانَ المُرادُ مِنَ التَّسْبِيحِ، التَّسْبِيحَ بِلِسانِ الحالِ مُطْلَقًا، أمّا إذا كانَ المُرادُ هو التَّسْبِيحَ المَخْصُوصَ فالبَعْضُ يُوصَفُ كَذا، فَلا يَكُونُ كَما ذَكَرْتُمْ.
الثّالِثُ: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: ”لِمَ“ هي لامُ الإضافَةِ داخِلَةٌ عَلى ما الِاسْتِفْهامِيَّةِ كَما دَخَلَ عَلَيْها غَيْرُها مِن حُرُوفِ الجَرِّ في قَوْلِكَ: بِمَ وفِيمَ وعَمَّ ومِمَّ، وإنَّما حُذِفَتِ الألِفُ لِأنَّ ما والحَرْفَ كَشَيْءٍ واحِدٍ، وقَدْ وقَعَ اسْتِعْمالُها في كَلامِ المُسْتَفْهِمِ، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ مَعْنى الِاسْتِفْهامِ واقِعًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ والِاسْتِفْهامُ مِنَ اللَّهِ تَعالى مُحالٌ وهو عالِمٌ بِجَمِيعِ الأشْياءِ، فَنَقُولُ: هَذا إذا كانَ المُرادُ مِنَ الِاسْتِفْهامِ طَلَبَ الفَهْمِ، أمّا إذا كانَ المُرادُ إلْزامَ مَن أعْرَضَ عَنِ الوَفاءِ بِما وعَدَ أوْ أنْكَرَ الحَقَّ وأصَرَّ عَلى الباطِلِ فَلا.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ","كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفۡعَلُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق